عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12-30-2011, 01:32 AM
الصورة الرمزية أم عبد المنعم
أم عبد المنعم أم عبد المنعم غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 1,256
افتراضي

تصحيح نظرة العوام للقرآن
كثير من الناس يرى أن القرآن الكريم عبارة عن دواء يؤخذ للعلاج! هذا هو تصورهم للقرآن، وهذا هو المدخل الذي دخلوا منه للتعامل مع القرآن، فالقرآن في نظرهم ما هو إلا دواء، والمقصود منه أن يصل بالمريض إلى حالة الشفاء، وهذا اعتقاد غير صحيح، فينبغي التعامل مع القرآن على أنه كتاب الله سبحانه وتعالى، وأنه طريق السعادة في الدارين، ومنهج كامل للحياة، ولا يُنظر للقرآن على أنه فقط مجرد دواء لبعض الأمراض، بغض النظر عن أنه منهج شامل لحياته. وينبغي ألا يكون التعامل مع القرآن الكريم من خلال التلاوة الذاتية التي يتعبد بها الإنسان بالتلاوة والصوت والحركات والحروف، أو من خلال تشغيل المسجل، وحتى الإخوة الملتزمون يكتفي بعضهم بسماع المسجل، ويقول أحدهم: أنا لا أقطع صلتي بالقرآن، بل أسمع إذاعة القرآن الكريم كثيراً. صحيح أن هذا شيء طيب، لكن لا شك أن الأعظم والأجدى والأكثر ثواباً أن تقرأ وتتعبد الله بتلاوة القرآن، بحيث يخرج من قلبك ولسانك أنت، ومن الجفاء أن يغلب علينا الاهتمام بالقرآن عن طريق الأشرطة، أو الكمبيوتر. ويحصل عند بعض المعالجين أن يصرف للمريض شريط تسجيل للقرآن الكريم فيه سورة البقرة وآيات محدودة معدودة، ويكون هذا كل ما يعالج به المريض من القرآن الكريم. وكثير من الناس إذا مرض لهم مريض -وقد لا يكون مصروعاً- يسارعون قائلين: ابحثوا عمن يرقيه! ابحثوا له عن معالج! هل من راق؟! دون أن يكون هناك حافز على أن يرقي الإنسان نفسه، مع أن الأصل في العلاج أن كل إنسان يرقي نفسه، وإلا ما الذي وسع دائرة هذه الظاهرة؟! ما لماذا لا ترقي نفسك بالقرآن؟! هل من اللازم إيجاد وسائط؟! نحن لا نقول: إن الإنسان لا يجوز له أن يرقي غيره، لكن نقول: لماذا نحصرها في هذا الإطار الضيق؟! لماذا لا يرقي الرجل زوجته بدل أن يحملها بنفسه إلى هؤلاء الناس؟! لماذا لا يرقي ولده؟ لم لابد من معالج اصطفيناه لهذه الوظيفة بالذات؟ لقد اصبح الجهد الوحيد والهدف الوحيد عند حصول حالة من هذه الحالات هو البحث عمن يقرأ عليه وكفى! كأن الناس اعتقدوا أن هذا هو التصرف السليم، وتجاهلوا أن ربنا سبحانه وتعالى أقرب لأحدهم من حبل الوريد، فالقرآن موجود، والتحصينات القرآنية موجودة، والأدعية النبوية موجودة، فلماذا لا ترقي نفسك أنت؟ لم لابد من معالج كما يزعمون؟ ......
بعض أخطاء المعالجين بالقرآن
من أخطار المنهج الذي يتعامل به هؤلاء المعالجون مع هذه الحالات -وهذا يصدر عن حسن نية المعالج إن شاء الله- أنه يحاول أن يستثمر سلطة المرض في تحسين التزام هذا المريض بالإسلام، وهم يصيبون فعلاً حينما يقولون: هذا بسبب الذنوب والمعاصي، فيقول له مثلاً: الجني يأتي في البيت ويعاكسك بسبب وجود صور في البيت، أو فيه كلب، أو أنك تستمع الموسيقى، أو عندك تلفزيون أو فيديو...إلخ، فعليك أن تتخلى عن هذه الأشياء؛ من أجل أن تحصن نفسك من الجن، ولكي تتحسن حالتك. فكأن نظرته لطاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام ليست مبنية على أنه يجب عليه كمسلم أن يغير أسلوب حياته كله، وأن يلتزم بدين الله كله ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] بل كأن هذه حالة مؤقتة من الالتزام مرتبطة بالشفاء من المرض. حكى لي أخ: أن رجلاً من هؤلاء الناس قالوا له: عندك صور في البيت؟ قال: نعم، قالوا: وموسيقى وتلفزيون؟ قال: نعم، قالوا: والنساء متبرجات؟ قال: نعم! فانتهى الأمر بالاتفاق معه على التخلص من هذه الأشياء لكي يُشفى هو أو زوجته من المرض، فتخلص منها، وطال عليه الأمر، ثم تحسنت الحالة، فإذا به يعود لهذه الأشياء مرة ثانية، فعادوا بالمريض للأخ المعالج، فقال له: أنت عدت إلى الصور وكذا وكذا؟ قال: نعم، فقال: لا يوجد علاج إلا أنك تترك هذه الأشياء، وهذا المدخل جعل الالتزام بأنه علاج حالة، وهذا مدخل غير صحيح، وأما المدخل الصحيح فهو أن يكون الالتزام هو الأصل، وطاعة لله سبحانه وتعالى هي الأساس، وحتى لو قدر مرض فهو بلاء على المسلم، وينبغي أن يصبر عليه، وليس مجرد الالتزام عبارة عن آلة نستعملها مؤقتاً ثم نخلعها بعد ذلك إذا شُفيت الحالة! وقد يكون المريض موهوماً، يتملكه التأكد من أنه مصروع وهو ليس كذلك، فما أن يُقرأ عليه القرآن إلا ويتأكد أنه فعلاً مصاب بالمس، وهو يحفظ الحوار؛ لأنه سمع الكثير من هذه الحوارات في الأشرطة وفي غير الأشرطة، فأول ما يقرأ عليه القارئ إلا وهو يتخيل السؤال: ما اسمك؟ فيجيب: أنا جرجر! وهكذا يمثل الحوار، ويجيب على أسئلة المعالج، ويعيش الدور فعلاً بمنتهى الصدق، وبمنتهى الإتقان، مع أنه ليس فيه مس ولا شيء من هذا، وإنما لكثرة سماعه وتخيله، كما سندلل على ذلك إن شاء الله. ......
خطورة التعمق والاسترسال في علاج الصرع والمس
لم أكن أود أن ننشغل بهذا الموضوع، لكن يبدو أننا محتاجون لوقت أكثر مع المعالجين وليس مع الجن! كثير من الناس يهابون التحدث في هذا الموضوع، وكثير من المعالجين يتحصنون وراء كلمة: (العلاج بالقرآن الكريم)، وإذا انتقدتهم قالوا: إذاً أنت تنكر أن القرآن شفاء! وهذا نوع من الإرهاب والتخويف الذي يغطون به جرائمهم، ويقولون: أنت تنكر المس، وأهل السنة والجماعة يقرّون به، وتنكر السحر وهو مذكور في القرآن، وهذا كله مما يتحصنون وراءه لكي يستبيحوا ما يفعلونه من هذه المخالفات. وإذا تجردنا من كثير من الضغوط التي تفرض علينا في هذه القضية، سنجد أن الجن عالم يكتنفه الغموض من كل جوانبه، ولا نستطيع أن نستوضح كل شيء إن نحن فتحنا هذا المجال؛ لأن الله سبحانه لم يخبرنا عن كل شيء في حياة الجن حتى نخرج من عالم الإنس إلى عالم الجن، وماذا يأكلون ويشربون ويلبسون! فنحن بشر، وعلينا أن نتعامل كبشر، وأن نتفاعل مع الأحداث التي تمر بنا من مرض أو غيره حسب ما خوّلنا الله، ونتعامل مع المرض تعاملاً طبيعياً جداً، فالذي يمرض عليه أن يذهب للطبيب الأخصائي ويتعالج، وهو بذلك متوكل على الله سبحانه وتعالى، ويأخذ بالأسباب التي ندبنا إليها الشرع، أما أن نفتح باب الجن فهذه متاهات؛ لأن للجن عالم مجهول.. مجهول.. مجهول، وعالم غامض.. غامض.. غامض ليس له حدود، والإنسان إذا دخل فيه فإنه يضيع في متاهات ودروب ومسالك لا أول لها ولا آخر، بل عبارة عن حلقة مفرغة فقط. حتى أن واحداً من أشهر معالجي الجن، وهو الشيخ العمري -سامحه الله- بعد ما دوّخ الدنيا كلها ونشر موضوع الجن وأشاعه وشجعه، وكان يحكي أشياء عن الجن، ومع ذلك ها هو الآن يأتي ويقول: كل هذا وهم ليس له حقيقة! آلآن بعد ما أذيع وأشيع وروج هذا الضلال المبين يعالج بالضد من ذلك؟! فهذا الموضوع كله مثل الدخان، كأنه حيرة وغموض وضباب وعدم وضوح، فهو فن لا تضبطه ضوابط نقلية محدودة وحازمة، والذين يكثرون الكلام في هذا المجال إنما يلتقطون أشياء من هنا وهناك، ويقولون: وجدنا كذا في الكتب والمراجع القديمة، وهي أشياء عجيبة غريبة، أو أشياء قالها علماء أفاضل، لكن كانت من باب الاجتهاد، ولا تقوم على دليل، فلماذا لا نرفضها؟! ولماذا ندس أنفسنا في كل هذه الأشياء وهي مما لم يقم عليه دليل بعد؟! ولاسيما السلفيين، أين السلفية؟! أليست السلفية: اتباع كل شيء بالدليل؟! أليست السلفية تمحيص أقوال العلماء ورفض ما لم يقم عليه دليل؟! إذاً لماذا كثر هذا الأمر فينا ونحن كنا أولى الناس بالتنزه عن الغوص في هذا الوحل؟! متاهات يهيم فيها الناس وراء من لا يعرفون من هم ولا كيف هم، أعراض غير محددة.. أعراض لمرض غير حاسمة.. أعراض تكتنفها الاحتمالات.. علاجات مخترعة بنفس الجو غير معروفة وغير محددة، وليس لها أول ولا آخر. وأما من يضرب المصروع، نقول له: من أين لك أنه صرعه جني؟ وما هو الدليل على أن هذا مصروع بالجن؟ وما هو الضمان قبل الشروع في الضرب أن هذا الضرب سوف يقع على الجني لا الإنسي؟ أين الضمان أنك لن تظلم هذا المريض المسكين؟! وقد حصل في كثير من الحالات أن يخطئ هذا المعالج وينهال بضرب فظيع جداً على جسد المريض، وهو معتقد أنه يقع على الجني -كما قرأ في الكتب- ولا يقع على المريض، فيفاجأ بأن الجني غير موجود أو أنه قد هرب، ووقع الضرب على المريض، وأما كلام العلماء الذين قالوا هذا فكلامهم على العين والرأس، لكن أين الدليل عليه؟ وأين الضمان أنك حين تضرب هذا الشخص فإنك تضرب الجني الظالم ولا يقع الضرب على هذا الإنسان المظلوم؟! هل تعذيب الناس والعدوان على أبدانهم بهذه الطريقة مباح لكل أحد؟! هل إزهاق أرواحهم كما يحصل كثيراًَ أمر متروك هكذا؟! وهل يعفى عن المعالجين أن يفعلوا ما يشاءون؟! أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36]. وهل تُرك الأمر سبهللاً دون ضوابط أو حدود؟ أين الضمان؟ نريد دليلاً يضمن لنا أن الضرب سيقع على الجني وليس على الإنسي؟ كثير من الحالات التي يزعم هؤلاء المتفوقون في علاج الجن أنهم يصيبون فيها إذا هم يخطئون فيها، وبالفعل يقع الضرب على الإنسي، ويصل أحياناً إلى إزهاق الروح بحسن نية هؤلاء القاصرين!......
الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم


توقيع : أم عبد المنعم


رد مع اقتباس