عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 02-20-2012, 02:49 AM
الصورة الرمزية أم عبد المنعم
أم عبد المنعم أم عبد المنعم غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 1,256
افتراضي

قال ابن القيم:
ولباسهم من سندس خضر ومن ** إستبرق نوعان معروفـان
ما ذاك من دودٍ بنى منفوقه ** تلك البيوتَ وعاد ذو طيران
لكنها حللٌ تُشَقُّ ثمارُها ** عنها رأيت شقائق النعمان
ومع الثياب الجميلة ، فإن أهل الجنة يحلون بالحلي .. وهذه الحلي أنواع كثيرة ، منها الأساور ، أساور الذهب والفضة واللؤلؤ ، ومنها التيجان ، كتاج الكرامة وتاج الوقار .
قال تعالى: (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ، ولباسهم فيها حرير) .
أيها الأحبة : هل في الجنة مراكب؟ نعم نحن في هذا الزمان نحب أن نركب السيارات الفاخرة .. ترى الواحد منا يركب الدين تلو الدين حتى يشتري سيارة آخر موديل مرسيدس ولا بي إم ولا غيرها .. ثم تراه في الغد يسوق السيارة إلى الورش الصناعية .. أو تسوقه حمانا الله وإياكم إلى الحوادث والأخطار .
نعيم الدنيا مشوب بالشقاء ، ليس له صفاء ، ليس له بقاء .. أما نعيم الآخرة فاستمع إلى هذا الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من خيل؟ فقال صلى الله عليه وسلم : إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تحمل على فرس من ياقوتة حمراء تطير بك في الجنة حيث شئت إلا كان .. ثم جاء آخر فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من إبل؟ ، فأجابه صلى الله عليه وسلم بجواب يعم جميع المركوبات فقال : إن يدخلْك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك . رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب .
نحن في الدنيا نقول: ما كل ما يتمنى المرء يدركه .
أما في الجنة ، فيقول الله تعالى: (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون) .
ولهذا ثبت في البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده رجل من أهل البادية ، فكان صلى الله عليه وسلم يحدّث أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ . فَقَالَ لَهُ: أَوَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ؟ قَالَ: بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ . فَأَسْرَعَ وَبَذَرَ ، فَتَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ وَتَكْوِيرُهُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ .
فلما سمع الْأَعْرَابِيُّ الحديث ، قال: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَجِدُ هَذَا إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا ، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ ، فَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ .
وأما سماع أهل الجنة وطربُهم(فهم في روضة يحبرون) .. ليس كغناء الدنيا ومعازفها المحرمة ، فمن سماعهم سماع خطاب رب العالمين ، وهو أعظم السماع وألذه .
ومن سماعهم غناء الحور العين ، يغنين بأجمل الأصوات .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم :إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قط . إن مما يغنين به: نحن الخَيْرات الحسان ، أزواجُ قومٍ كرام ينظرون بِقُرّة أعيان . وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا نَمُتنه ، نحن الآمنات فلا نَخَفنه ، نحن المقيمات فلا نَظْعَنَّه . رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع .
ومن سماع أهل الجنة ، أن الريح إذا هبت في الجنة ، هزت غصون الأشجار ، وحركت أوراقها فتُسمع لها أصواتٌ لم تَسمعِ الخلائقُ مثلَها .. فإياك أن تحرم هذا السماع بسماع الحرام . قال ابن القيم:
قال ابن عباس ويرسل ربنا * ريحا تهز ذوائب الأغصان
فتثير أصواتا تَلَذّ لمَسْمَع ال * انسان كالنغمات بالأوزان
يا لذة الاسماع لا تتعوضي * بلذاذة الأوتار والعيدان
أو ما سمعتِ سماعهم فيها غنا * ءَ الحور بالأصوات والألحان
نحن النواعم والخوالد خيّرا * تٌ كاملاتُ الحسن والإحسان
لسنا نموت ولا نخاف ومالنا * سَخَطٌ ولا ضَغَن من الأضغان
طوبى لمن كنا له وكذاك طو * بى للذي هو حظنا لفظان
نزّه سماعك إن أردت سماع ذيـ * ـاك الغنا عن هذه الألحان
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحـ * ـرم ذا وذا ياذلة الحرمان
حب الكتاب وحب الحان الغنا * في قلب عبد ليس يجتمعان
وأما نساء أهل الجنة فلسن كنساء الدنيا .. ألم تسمع قول الله تعالى (ولهم فيها أزواج مطهرة) ، مطهرة من الحيض والنفاس ، ومن البول والغائط والمخاط والبصاق وسائر الأنجاس .
فيا من انتهك حرمات رب العالمين .. إياك أن تبيع الحور العين ببنات الطين .. غض بصرك عن السفور ، واحفظ فرجك عن الفجور ، وقدم العفة مهراً للحور .
قال سبحانه : (وزوجناهم بحور عين) الحوراء : الشابة الجميلة البيضاء ، شديدة سواد العين ، شديدة بياضها .. والعيناء :واسعة العينين .
وقال تعالى : (كأمثال اللؤلؤ المكنون) (كأنهن الياقوت والمرجان) كأن الحورية الياقوت في صفائه ، والمرجان في حسن بياضه .
وقال سبحانه (فيهن خيرات حسان) خيرات الأخلاق ، حسان الوجوه ، جمع الله لهن الجمال الحسي والجمال المعنوي .
وإن سألت عن حسن العشرة ولذة الحب ، فهن كما قال الله (عرباً أتراباً) ، والعرب: المتحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح .

وحديثها السحر الحلال لو أنه *** لم يجن قتل المسلم المتحرز
إن طال لم يملي وإن هي أوجزت *** ود المحدَّث أنها لم توجز
يقول ابن القيم: إن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنست وأنفعت فياحبذا تلك المؤانسة والإمتاع ، وإن قبلت فلا شيء أشها إليه من ذلك التقبيل .. وأنا أقف هنا خوفاً على الشباب العزاب من الصراخ والعويل !! .
وأما السن فهن الكواعب الأتراب .. اللواتي يجري في عروقهن ماء الشباب .. ولا يزلن يزددن جمالاً مع الغياب .
روى الإمام مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنهأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ ، فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ ، فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدْ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ: وَاللَّهِ لَقَدْ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا ، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْنًا وَجَمَالًا) .
وفي بعض الآثار أن أهل الجنة تأتيهم سحابة وتقول لهم: ماذا تريدون أن أمطر عليكم ؟ فيتمنى بعضهم الجواري ، فتمطرهم بالجواري .
وقد جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أن الحوراء في الجنة ترى زوجها المؤمن وهو في الدنيا.
ومن ذلك ما رواه الترمذي وابن ماجه بسند حسن عن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا ، إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل ، يوشك أن يفارقك إلينا) .
ونقل ابن كثير عن عكرمة أنه قال: إن الحور العين ليدعون لأزواجهن وهم في الدنيا ، يقلن: اللهم أعنه على دينه ، وأقبل بقلبه إلى طاعتك ، وبلغه إلينا بعزتك يا أرحم الراحمين .
قال أحمد بن الحواري: سمعت أن أبا سليمان يقول: تبعث الحوراء من الحور الوصيفَ من وصائفها فتقول: ويحك اذهب فانظر ما فُعل بولي الله فتستبطئه ، فتبعث وصيفاً آخر فتسبطئه ، فتبعث وصيفاً آخر فيأتي الأول فيقول : تركته عند الميزان ، ويأتي الثاني فيقول : تركته عند الصراط ، فيأتي الثالث فيقول : دخل باب الجنة فيستقبلها الفرح ، فتقوم على باب الجنة ، فإذا أتى اعتنقته فيدخل خياشيمه ريحها ما لا يخرج أبداً .
أيها الأحبة .. تصوروا لو أن امرأة واحدة من الحور العين أطلت علينا في سمائنا ، ماذا يحدث في هذا الكون؟
استمعوا إلى الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وهو يصف هذا المشهد ويقول : لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحاً (أي ما بين المشرق والمغرب يعج بريحها الذي يفرزه جسدها الطيب بلا عطورات ولا مستحضرات) ، قال : ولأضاءت ما بينهما (ليس لأنوار الأرض مكان ، ليس للشمس مكان عند نور الحورية) ، قال : ولنصيفها على رأسها (أي خمارها) خير من الدنيا وما فيها ) رواه البخاري عن أنس .
وفي الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ . وعند أحمد والترمذي: من وراء سبعين حلة .
لو أطلت لكأنما جرت الشمس في محاسن وجهها .. ولو ضحكت في وجه زوجها لأضاءت الجنة من نور مبسمها .. ولو بزقت في ماء البحر لجعلته عذباً زلالاً من حلاوة ريقها .. ينظر زوجها إلى وجهه في خدها أصفى من المرآة .
لا يفنى شبابها ، ولا تبلى ثيابها ، ولا يَخْلَق ثوب جمالِها، ولا يُمَل طيب وصالِها، قد قَصَرت طرفها على زوجها، فلا تطمح لأحد سواه، وقد قَصَرت طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه.
قال ابن القيم رحمه الله:
فاسمع صفات عرائس الجنات ثم ** اختر لنفسك يا أخا العرفان
حور حسان قد كملنخلائقاً ** و محاسناً من أجمل النسوان
حتى يحار الطرف في الحسن الذي ** قدألبست فالطرف كالحيران
كملت خلائقها وأُكمِلَ حسنُها ** كالبدرِ ليلَ الست بعد ثمان
والشمسُ تجري فيمحاسن وجهها ** والليلُ تحت ذوائب الأغصان
وكلاهما مرآة صاحبه إذا ** ما شاء يبصر وجهه يريان
فيرى محاسن وجهه فيوجهها ** وترى محاسنها به بعيان
حمر الخدود وثغورهن لآلىءٌ ** سود العيونفواتر الأجفان
والبرق يبدو حين يَبْسَم ثغرُها ** فيضيء سقف القصر بالجدران
ريانة الأعطاف من ماء الشباب ** فغصنها بالماء ذو جريان
والجيد ذو طول وحسن في بيـ ** ـاض واعتدال ليس ذا نكران
أقدامها من فضة قد ركبت ** من فوقها ساقان ملتفان
والساق مثل العاج ملموميرى ** مخ العظام وراءه بعينان
والريح مسك والجسوم نواعم ** واللونكالياقوت والمرجان
وإذا بدت في حلةٍ من لبسها * وتمايلت كتمايل النشوان
تهتز كالغصن الرطيب وحمله * ورد وتفاح على رمان
وتبخترت في مَشيها ويحق ذا * ك لمثلها في جنة الحيوان
حتى إذا ما واجهته تقابلا * أرأيت إذ يتقابل القمران
فسل المتيم هل يحل الصبر عن * ضــم وتقـبيل وعن فلتان
وسل المتيم كيف حالته وقد * ملئت له الأذنان والعينان
من منطق رقت حواشيه ووجه * كم به للشمس من جريان
وتدور كاسات الرحيق عليهما * بأكف أقمار من الولدان
يتنازعان الكأس هذا مرة * والخود اخرى ثم يتكئان
فيضمها وتضمه أرأيت معـ * ـشوقين بعد البعد يلتقيان
وحتى لا تغار الأخوات الكريمات أقول: أبشري أيتها الأخت المؤمنة . فقد قرر أهل العلم أن المؤمنات في الجنة ملكات الحور العين ، وهن أفضل منهم في النعيم ، وأفضل في الجمال ، وأقرب إلى نفوس الرجال .. ولا يمكن أن يساوي الله بين من جاهدت نفسها على طاعة الله وعملت من الصاحات ، وبين من خلقها من الجنة وكتب عليهن عدم المعصية .
لأن بعض الأخوات تقول: إن كان ما مضى من وصف الحور العين وذكر محاسنهن ترغيباً للرجال فماذا يكون لنا نحن النساء من النعيم ؟
فأقول: إن النساء المؤمناتِ في الجنة لهن كأنواع النعيم في الجنة مثل الرجال تماماً ، وربما أكثر ، لأنه يوجد من النساء من هي أفضل من الرجال بسبب تقواها وطاعتها لربها .
إخوة الإيمان .. أهل الجنة في نعيم مقيم .. تعرف في وجوههم نضرة النعيم .. شباب فلا هرم .. وصحة فلا سقم .. وخلود فلا موت .
في صحيح مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهماعَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ ، إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا ، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ)وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمْ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(.
مجالس أهل الجنةمجالس طيبة ، يجتمعون ويزور بعضهم بعضا ، ويجلسون كما قال تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) .. يجتمعون فيذكرون أيام الدنيا ، وما منّ الله به عليهم من دخول الجنة: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ، قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ، فمنّ الله علينا ووقانا عذاب السموم ، إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم ) .
وروى البزار ونقله ابن كثير في صفة الجنة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، فيشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض ، فيسير سرير هذا إلى سرير هذا ، وسرير هذا إلى سرير هذا ، حتى يجتمعا جميعا ، فيقول أحدهما لصاحبه: تعلم متى غَفَر الله لنا؟ فيقول صاحبه : نعم يوم كنا في موضع كذا وكذا ، فدعونا الله فغفر لنا .
وفي بعض لقاءات أهل الجنة يتذكرون أهل الشر من الكفار والفجار (قال قائل منهم إني كان لي قرين ، يقول أءنك لمن المصدقين ، أءذا كنا ترابا وعظاما أءنا لمدينون، قال هل أنتم مطلعون ، فاطلع فرآه في سواء الجحيم ، قال تالله إن كدت لتردين ، ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين ، أفما نحن بميتين ، إلا موتتَنا الأولى وما نحن بمعذبين ، إن هذا لهو الفوز العظيم ، لمثل هذا فليعمل العاملون ) .
أما أعظم ما في الجنة من النعيم ، التمتعُ برؤية وجه الله الكريم ، وتصور معي هذا المشهد العظيم الذي تتقاصر العبارة عن بيان عظمته وشرفه .
فبينما أهل الجنة في نعيمهم إذ بالمنادي ينادي : يا أهل الجنة إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحي على زيارته، فيقولون: سمعًا وطاعة، وينهضون إلى الزيارة مبادرين، فإذا بالنجائب قد أعدت لهم فيستوون على ظهورها مسرعين ، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعدًا وجمعوا هنالك فلم يغادر الداعي منهم أحدًا. أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنُصب هناك. ثم نصبت لهم منابرُ من لؤلؤ ومنابرُ من نور، ومنابرُ من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة ، وجلس أدناهم وحاشاهم أن يكون فيهم دني على كثبان المسك ، ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا ، حتى إذا استقروا في مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم نادى منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدًا يريد أن ينجزَكموه فيقولون: ما هو؟! ألم يُبيضْ وجوهنا ويُثقلْ موازيننا، ويُدخلْنا الجنة ويُزحزحْنا عن النار! فبينما هم كذلك إذا سطع لهم نور أشرقت له الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله قد أشرف عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم، فلا تُرد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة. فيكون أول ما يسمعون منه تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟ فهذا يوم المزيد، فيجتمعون على كلمة واحدة، أن قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لما أسكنتكم جنتي. هذا يوم المزيد فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليك، فيكشف لهم الرب جل جلاله عنه الحجب ويتبدى لهم فيغشاهم من نوره ما لو لا أن الله تعالى قضى ألا يحترقوا لاحترقوا. ولا يبقى في ذلك المجلس أحدٌ إلا حاضره ربه تبارك وتعالى محاضرة حتى إنه ليقول: يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا، يذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، ألم تغفر لي؟ فيقول: بلى، بمغفرتي بلغت منزلتك هذه.
فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة، ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ]إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ) .
الطريق إلى الجنة :
أحبتي في الله .. هذا هو نعيم الجنة ، ولعلكم تتساءلون بعد هذا ما الطريق إلى الجنة؟
فأقول : أبشروا ، كلكم يدخل الجنة .. كلكم يدخل الجنة .. كما بشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، ثم قال: إلا من أبى ، قيل : ومن يأبى يا رسول الله؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى .
أخي الحبيب .. اعلم أنك لن تدخل الجنة إلا بمفتاح .. وهذا المفتاح هو لا إله إلا الله .. وأسنان المفتاح شرائع الإسلام .. فمن جاء بمفتاح له أسنان فتح له .. ومن جاء بمفتاح بلا أسنان فلا يلومن إلا نفسه .
قال تعالى:]فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ] والباء هنا سببية أي بسبب أعمالهم الصالحة بعد رحمة الله تعالى .
وكما أن أهل الإيمان والعمل الصالح على درجات في الدنيا ، فكذلك هم في الآخرة .
ولهذا روى مسلم عن الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ ، مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلْ الْجَنَّةَ ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ رَضِيتُ رَبِّ ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ .
قَالَ موسى: رَبِّ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ الله: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ ، غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا ، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ .
(فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جزاء بما كانوا يعملون) .
- تريد الجنة؟ أد الصلوات في وقتها ، فقد روى الإمام مالك وأبو داود والنسائي وصححه الألباني عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول اللهصلى الله عليه وسلم يقول: خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن ، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة .
- تريد رؤية وجه الله تعالى في الجنة؟: حافظ على صلاتي الفجر والعصر ، فقد روى مسلم عن جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ ، ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) .
- تريد بيتاً في الجنة؟: حافظ على السنن الرواتب ، فقد روى مسلم عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ، تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ ، إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّة .
- تريد قرة العين في الجنة؟ عليك بقيام الليل ، (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون ، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين ، جزاء بما كانوا يعملون) .
- تريد أن تغرس لك الأشجار والنخيل ، وتبنى لك الدور في الجنة؟: عليك بكثرة الذكر .
فقد روى جَابِرٌ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ . رواه الترمذي وقال: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ ، وصححه الألباني .
وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله : إن دور الجنة تبنى بالذكر ، فإذا أمسك الذاكر عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء .
- تريد بيتاً في أعلى الجنة؟: حسّن خلقك مع الناس ، فقد روى أبو داود وحسنه الألباني عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ .
- تريد النعيم المقيم ، والقصور والبساتين؟ عليك بالصدقة والإنفاق في سبيل الله .
روى الإمام أحمد في المسند قصة أبي الدحداح رضي الله عنه ، وفيها أن يتيماً كان يبني حائطاً فاعترضته نخلة بينه وبين جاره ، فطلب منه أن يعطيه إياها فأبى ، فجاء إلى اليتيم إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِفُلَانٍ نَخْلَةً وَأَنَا أُقِيمُ حَائِطِي بِهَا فَأْمُرْهُ أَنْ يُعْطِيَنِي حَتَّى أُقِيمَ حَائِطِي بِهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لصاحب النخلة: أَعْطِهَا إِيَّاهُ بِنَخْلَةٍ فِي الْجَنَّةِ . لكنه أبى .
سمع أبو الدحداح هذا العرض المغري ، وكان له حائط في المدينة فيه ستمائة نخلة ، فجاء إلى صاحب النخلة فَقَالَ بِعْنِي نَخْلَتَكَ بِحَائِطِي كله ، فَفَعَلَ وتم البيع ، ثم ذهب أبو الدحداح إلى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ ابْتَعْتُ النَّخْلَةَ بِحَائِطِي فَاجْعَلْهَا لَهُ . يعني لليتيم .
فَبشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وقَالَ: كَمْ مِنْ عَذْقٍ رَاحَ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ فِي الْجَنَّةِ ، يكررها النبي صلى الله عليه وسلم عدة مرات .
فرح أبو الدحداح ، وانطلق إلى بستانه ، فإذا بأم الدحداح ، هي وصبيانها تحت النخل ،فأمرها بالخروج من البستان ،فأنشأ يقول:
بينيمن الحائط بالوداد فقد مضى قرضاً إلى التناد
أقرضته الله على اعتمادي إلا رجاء الضعف في المعاد
والبر لا شكفخير زاد قدمه المرء إلى المعاد
فردت عليه أم الدحداح وقالت: ربح بيعك ! بارك الله لك فيما اشتريت، ثم أنشأت تقول:
بشرك الله بخيروفرح مثلك أدى ما لديه ونصح
قد متعالله عيالي ومنح بالعجوة السوداء والزهو البلح
والعبد يسعى وله قد كدح طول الليالي وعليه مااجترح
ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها ، تخرج ما في أفواههم، وتنفض ما في أكمامهم ، من تمر البستان .
وتمضي الأيام ، وتقع غزوة أحد ، فلما انكشف المسلمون وتفرقوا ، أقبل أبو الدحداح فجعل يصيح : إلي يا معشر الأنصار ، قاتلوا عن دينكم فإن الله مظهركم وناصركم، فنهض إليه نفر من الأنصار، فجعل يحمل بهم ، فوقفت له كتيبةمن كفار قريش فيها رؤساؤهم، فحملوا عليه بالرمح فوقع شهيداً. رضي الله عنه
ويصل الخبر إلى أم الدحداح ، فتسترجع وتحتسبه عند الله .
وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير في جنازة أبي الدحداح ، فيتذكر قصة عذق النخلة ويقول: كَمْ مِنْ عِذْقٍ مُعَلَّقٍ أَوْ مُدَلًّى فِي الْجَنَّةِ لِابْنِ الدَّحْدَاحِ .
أخي: إياك أن تكون ممن قال فيهم يحيى بن معاذ الرازي : عمل لسراب ، قلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب، ثم تطمع في الكواعب الأتراب!! هيهات .. أنت سكران بغير شراب .
تريد الجنة ، وأنت تنام عن صلاة الفجر!! تريد الجنة وأنت تأكل الحرام وتشاهد الحرام وتسمع الحرام !! فتب من ذنوبك ، وابك على عيوبك ، وإياك أن تُحرم النعيمَ المقيمَ في الجنة بلذة ساعةٍ فانية (بل تؤثرون الحياة الدنيا ، والآخرة خير وأبقى ) .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار . ونسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل ، برحمتك يا أرحم الراحمين ، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .


توقيع : أم عبد المنعم


رد مع اقتباس