عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 03-05-2012, 05:27 AM
الصورة الرمزية أم عبد المنعم
أم عبد المنعم أم عبد المنعم غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 1,256
افتراضي

ومما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :
لطيف التعزية عند فقد الأعزة , فإن الكلمة الطيبة للمصاب يثبت بها بإذن الله , ويغدو صبره عليها سهلاً يسيراً فإن المؤمن كما تعلمون قليل بنفسه كثير بإخوانه ضعيف بنفسه قوي بإخوانه شديد بأعوانه فإذا وجد هذا يعزيه وهذا يسليه سهلت عليه الأمور العظام وكشف ما به بإذن الله رب السماء والأرض.
ولذا فإن الشارع بحكمته البالغة شرع التعزية لأهل المصيبة والدعاء لهم بالثبات والأجر والخلف وللميت بالرحمة والمغفرة.
فعزاء الله الذي نتعزى به دائماً : إنا لله وإنا إليه راجعون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة والأسوة عزى أصحابه عند نزول المصائب وواساهم , كما في السنة الصحيحة , والسلف الصالح اقتدوا به في ذلك , فلعلنا أن نقف على بعض ما في السنة الصحيحة و أقوال السلف في لطيف التعزية والدعاء بما هو خير، فخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلم:
وكل خيرٍ باتباع من سلف ....... وكل شرٍ في ابتداع من خلف
في صحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
دخل رسول الله صلى الله على أبي سلمة وقد شهق بصره فأغمضه ثم قال:
إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله فقال:
لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير, فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، ثم قال - واسمعوا إلى العزاء -:
اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين و اغفر لنا وله يا رب العالمين وافسح له في قبره ونوّر له فيه.
فدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم عزاء ومواساة .
وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال:
(أرسلت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي عليه الصلاة والسلام تدعوه وتخبره أن لها صبياً في الموت , فقال: ارجع إليها فأخبرها أن لله تعالى ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى , فلتصبر ولتحتسب).
وفي الحديث الحسن بشواهده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
( ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة).
وروي عن علي رضي الله عنه كما في التعازي أنه قال لمصاب:
(إنك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور , وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت موزور).
وروى البيهقي بإسناده في مناقب الإمام الشافعي رحمه الله أن عبد الرحمن بن مهدي مات له ابن فجزع عليه جزعاً شديداً فبعث إليه الشافعي يقول له:
(يا أخي عزّ نفسك بما تعزي به غيرك , واستقبح من فعلك ما تستقبحه من غيرك , واعلم أن أعظم المصائب فقد سرور وحرمان أجر , فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وزر ؟ ألهمك الله عند المصائب صبراً , وأحرز لنا ولك بالصبر أجراً , ثم أنشد قائلاً:
إني معزيك لا إني على ثقةٍ ........من الحياة ولكن سنة الدينِ
فلا المعزَّى بباقٍ بعد ميته ......... ولا المعزِّي ولو عاشا إلى حينِ
ويشاء الله عز وجل فيموت بعدها ابن للشافعي رحمه الله تعالى , الذي كان يعزِّي أصبح يعزَّى , جاءوا يعزونه فأنشد قائلاً :
وما الدهر إلا هكذا فاصطبر له ......... رزية مالٍ أو فراق حبيب
ولما توفيت ياقوتة بنت المهدي جزع عليها جزعاً لم يسمع بمثله , فجلس وجاء الناس يعزونه فأمر ألا يحجب منه أحد , فأكثر الناس في التعازي واجتهدوا في البلاغة والفصاحة لكونه الخليفة ثم أجمعوا بعد ذلك أنهم لم يروا تعزية أبلغ ولا أوجز من تعزية ابن شبة رحمه الله يوم قال:
أعطاك الله يا أمير المؤمنين على ما رزئت أجراً وأعقبك خيراً و لا أجهد بلاءك بنقمة ولا نزع منك نعمة , ثواب الله خير لك منها , ورحمة الله خير لها منك , أسأل الله ألا يحزنك ولا يفتنك، فكان مما سرى على أمير المؤمنين مثل هذه التعزية .
ويقول أحد المعزين في لطائف التعازي لقاضٍ من قضاة بلخ توفيت أمه , قال له:
إن كانت وفاته عظة لك فأعظم الله أجرك على موتها , وإن لم تكن لك عظة , فأعظم الله أجرك على موت قلبك، ثم قال : أيها القاضي , أنت تحكم بين عباد الله منذ ثلاثين سنة ولم يرد عليك أحد حكماً, فكيف بحكم واحد عليك من الواحد الأحد ترده ولا ترضى به ؟، فسري عنه وكشف ما به وقال : تعزيت تعزيت.
وعزى موسى بن المهدي سلمان بن أبي جعفر في ابن له مات فقال:
أيسرك وهو بلية وفتنة ؟ ويحزنك وهو صلاة ورحمة وهدى ؟
يشير إلى قول الله عز وجل: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ).
ويشير بالثانية إلى قوله تعالى: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
فلله ما أعطى ولله ما حوى .......... وليس لأيام الرزية كالصبرِ
فحسبك منهم موحشاً فقد برهم .... وحسبك منهم مسلياً طلب الأجرِ
وروي أن سليمان بن عبد الملك لما مات ابنه أيوب قال لعمر بن عبد العزيز ورجاء:
إني لأجد في كبدي جمرة لا يطفئها إلا عبرة.
فقال عمر: اذكر الله يا أمير المؤمنين وعليك بالصبر فهو أقرب وسيلة إلى الله , وليس الجزع بمحيٍ من مات وبالله العصمة فلا تحبطن أجرك، قال فنظر إلى رجاء.
فقال رجاء: اقضها يا أمير المؤمنين فما بذاك من بأس فقد دمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبراهيم ولم يقل ما يسخط ربه , فأرسل سليمان عينيه بالبكاء حتى ظنوا أن نياط قلبه ستتقطع.
فقال عمر لرجاء معاتباً: هذا ما فعلت بأمير المؤمنين.
فقال: دعه يا عمر يقضي من بكائه وطراً , فلو لم يخرج من صدره ما ترى لخفت عليه.
ثم دعا بماء وغسل وجهه ثم قال لهما: لو لم أنزف هذه العبرة لانصدعت كبدي، ثم انتهى إلى مجلسه فدخل عليه رجل فعزاه فقال: عليكم نزل الكتاب وأنتم أعرف به منا , وأنتم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم منا, ولسنا نعلمك شيئاً لا تعلمه ولا نذكرك شيئاً قد تنساه لكن نعزيك ونواسيك ثم أنشد:
وهون ما ألقى من الوجد أنني ...... أجاوره في قبره اليوم أو غداً
قال: أعد فأعاد فقال: يا غلام هات الغداء، فأكل وشرب وحمد الله وسري عنه.
ومن لطيف التعزية ما قيل من بعض الأعراب عندما دخل على بعض ملوك بني العباس وقد توفي له ولد اسمه العباس فعزاه ثم قال:
اصبر نكن بك صابرين فإنما ........ صبر الرعية عند صبر الرأسِ
خير من العباس أجرك بعده ........ والله خير منك للعباسِ
ومن ذلك أن أحدهم أصيب بمصيبة فجزع فجاء أخ له فقال : عظم الله أجرك وأحسن الله عزاءك، ثم أنشد:
أخي ما بال قلبك ليس ينقى ........ كأنك لا تظن الموت حقاً ؟
ألا يابن الذين مضوا وبادوا .......... أما والله ما ذهبوا لتبقى
فكشف ما به.
ومات لرجل من السلف ولد فعزاه سفيان بن عيينة رحمه الله وهو في كرب شديد وعزاه آخرون فلم يكشف ما به, حتى جاء الفضيل فقال:
يا هذا , أرأيت لو كنت وابنك في سجن فأفرج عن ابنك قبلك أو ما كنت تفرح؟ قال: بلى.
قال : فإن ابنك قد خرج من سجن الدنيا قبلك.
قال : فسري عن الرجل وانكشف همه وقال : تعزيت.
وأخيراً فإن من ألطف وقوي ما سمعت من تعزية غير كلام رسول البرية صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة رضوان الله عليهم ما قاله ابن سناء الملك وقد مات لأحد أقاربه ميت فجزع عليه جزعاً شديداً فكان مما قاله ابن سناء: إنا لله, إلى متى هذا الجزع الصبياني و الهلع النسواني؟
إلى متى هذا الحزن الذي لا يحيي دفينك بل يميت دينك ويسلب هدوءك ويشمت فيك عدوك , أما على هذا مضى الزمان ؟ وعلى هذا درج الثقلان وللخراب بني العمران وللانتقال سكن السكان وللموت ولد
المولود وللعدم خلق الوجود أتحب أن تبقى ويبقى من تحب ؟ فذا خلود.
إنا لله وإنا إليه راجعون أفضل قول الصابر وفي سبيل الله وإلى رحمة الله من حسب في أهل المقابر , أجزل الله أجرك وأحيا على دفينك صبرك , ووسع لهذه النازلة صدرك , وأنزل على قلبك السكينة ربك , وخفف عن قلبك وطيئة كربك , لا جمع الله عليك فراق الأحباب وفراق الثواب , وجمع الله عليك النعمتين , نعمة الجلد ونعمة الاحتساب.
إني والله لشريكك في المصاب ونصيبي منه لأكثر ودمع عيني لأغزر ولو شئت أن أبكي دماً لبكيته , ولكنني في ساحة الصبر أجمل.
أخي المصاب , لعل في ما سمعته عزاء لك , فلست أول ولا آخر مصاب , جعل الله التعزية لك لا عنك , والخلف عليك لا منك , في الله عزاء من كل هالك , وخلف من كل فائت , وعوض من كل مصيبة , وشر من المصيبة حرمان الأجر فيها:
لا بد من فقدٍ ومن فاقدِ ........ هيهات ما في الناس من خالدِ
ولا يفوت هنا أن أنبه في هذا لما يلي :
أولاً:- ينبغي تجنب الجلوس عند أهل الميت للتعزية ؛ لأن في ذلك تجديدأً للحزن وتكليفاً للمعزى ومخالفة لهدي السلف الصالح رضوان الله عليهم , ففي الحديث الصحيح أن جرير بن عبد الله البجلي قال:
كنا نعد الاجتماع لأهل الميت بعد دفنه من النياحة.
فالذي ينبغي أن ينصرف الناس إلى شغلهم وحوائجهم فمن صادفهم عزاهم في المسجد , في العمل , في الشارع , في السوق، وهكذا.
ثانياً:- إن ما يفعل اليوم في التعزية من نصب الخيام للجلوس فيها للقيل والقال وصرف للأموال الطائلة من أجل المباهاة والمفاخرة أمر مخالف للشرع , يقول ابن القيم عليه رحمة الله:
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعزية أهل الميت ولم يكن من هديه الاجتماع للعزاء ولا قراءة القرآن عند قبره، وكل هذه بدعة حادثة.
ثالثاً:- ألا يحدّ على ميتٍ فوق ثلاثة أيام كما يفعل كثير من النساء , إلا على زوجٍ أربعة أشهر وعشراً , فليعلم كما في الصحيح: عليكم بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم الكريم , ومنهاج قرآنه المحكم، رزقنا الله إتباع السنة , ورحم الله موتانا بكرمه ومنه.

ومما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
برد التأسي بأهل المصائب فبذلك إطفاء لنار المصيبة ولنعلم أنه في كل قرية ومدينة بل في كل بيت , من أصيب مرة ومنهم من أصيب مراراً وليس ذلك بمنقطع حتى يأتي على جميع أهل البيت حتى نفس المصاب سيصاب يوماً بنفسه أسوة بأمثاله ممن تقدمه , فإن نظر فلن يرى يمنة إلا محنة ويسرة إلا حسرة.
ذكر ابن الجوزي بإسناده عن عبد الله بن زياد قال:
حدثني بعض من قرأ في الكتب أن ذا القرنين لما رجع من مشارق الأرض ومغاربها وبلغ أرض بابل مرض مرضاً شديداً , فعلم أنه مرض الموت وأشفق على نفسه فكتب لأمه معزياً في ذكاء قائلاً:
يا أماه , إذا جاءك كتابي فاصنعي طعاماً واجمعي من قدرت من الناس ولا يأكل طعامك من أصيب بمصيبة واعلمي هل وجدت لشيءٍ قراراً أني لأرجو أن الذي أذهب إليه خيراً مما أنا فيه.
فلما وصل كتابه صنعت طعاماً عظيماً وجمعت الناس وقالت: لا يأكل هذا من أصيب بمصيبة.
فلم يتقدم أحد من هذا الطعام، فعلمت مراد ابنها فقالت: بني , من مبلغك عني أنك وعظتني فاتعظت وعزيتني فتعزيت فعليك السلام حياً وميتا.
فما من مصيبة أصيب بها مصاب إلا وهناك ما هو أعظم منها عند غيره، قيل لرجل:
كم لك من الولد ؟ قال: تسعة.
فقيل له: إنما نعرف لك ابناً واحداً، قال: الحمد لله, كان لي عشرة فقدمت تسعة أحتسبهم عند الباري الرحيم وبقي لي واحد , لا أدري أهو لي أم أنا له ؟
لكل اجتماع من خليلين فرقة ....... وكل الذي دون الممات قليل
وإن افتقادي واحداً بعد واحد ....... دليل على أن لا يدوم خليل
وهاهي أعرابية اسمها أم غسان كما في عيون الأخبار , فقدت جميع أبنائها وفوق ذاك كف بصرها, مصيبة وأي مصيبة ؟! كانت تعيش بمغزلها وتقول:
الحمد لله على ما قضى , رضيت من الله ما رضي لي , وأستعين الله على بيت ضيق الفناء قليل الإيواء.
ثم تصاب مصيبة أخرى بموت جارة لها كانت تبثها أشجانها وأحزانها, فيقال لها : أين فلانة؟
فتقول: الحمد لله على قضاء الله والرجعة لله:
تقسم جاراتها بيتها ..... وصارت إلى بيتها الأدلجِ
وفي العاقبة للأشبيلي:
يروى أن امرأة من الأعراب حجت ومعها وحيدها، فمرض عليها في الطريق ومات فدفنته بمساعدة الركب الذين كانوا معها , ثم وقفت بعد دفنه فقالت:
يا بني , والله لقد غذوتك رضيعاً وفقدتك سريعاً وكأن لم يكن بين الحالتين مدة ألتذ فيها بعيشك وأتمتع فيها بالنظر إلى وجهك.
ثم قالت : اللهم منك العدل ومن خلقك الجور , اللهم وهبتني قرة عين فلم تمتعني به كثيراً بل سلبتنيه وشيكاً ثم أمرتني بالصبر ووعدتني عليه الأجر , فصدّقت وعدك ورضيت قضاءك فلك الحمد في السراء والضراء , اللهم ارحم غربته واستر عورته يوم تكشف العورات وتظهر السوءات , رحم الله من ترحم على من استودعته الردم ووسدته الثرى.
ثم لما أرادت الانصراف قالت : أي بني لقد تزودت لسفري فياليت شعري ما زادك لسفرك ويوم معادك ؟ اللهم إني أسألك الرضا عنه برضاي عنه , استودعك بني من استودعني إياك جنيناً في الأحشاء , ومن يجازي من صبر في السراء والضراء.
من شاء بعدك فليمت ..... فعليك كنت أحاذرُ
كنت السواد لناظري ..... فعمى عليك الناظر
ليت المنازل والديار ....... حفائر ومقابر
إني وغيري لا محالة ....... حيث صرت لصائرُ
وأخرج ابن أبي الدنيا في الاعتبار عن الكندي قال:
كانت امرأة من بني عامر لها تسعة من الأولاد , دخلت بهم يوماً غاراً ثم خرجت لحاجة لها وتركتهم في الغار ولما رجعت سقط الغار عليهم وانطبق فجعلت تسمع أنينهم وتتلظى بجحيم عويلهم , لا تملك لهم حولاً ولا طولاً , تئن وتزفر زفرات قطعت أحشاءها , حتى فقدت أنينهم فلم تسمع لهم أنيناً فعلمت أنهم ماتوا جميعاً تحت الغار، فرجعت وبها من الأسى ما الله به عليم , فكانت تردد وتقول:
ربيتهم تسعة حتى إذا اتسقوا ....... أفردت منهم كقرن الأعضب الوحدِ
وكل أم وإن سرت بما ولدت ....... يوماً ستفقد من ربت من الولدِ
وأخيراً فقد حدثني من أثق به من الصالحين كما أحسبه والله حسيبه , أنه كان هناك رجل له ثلاثة أولاد صغار وزوجة في هناء وسعادة وأمان وسكينة واطمئنان , وذات يوم جاءهم أضياف فقام الأب وذبح لهم كبشاً والأولاد ينتظرون, ودخل للجلوس مع أضيافه بانتظار الطعام وقامت الأم بتغسيل أصغرهم في وعاء كبير مليء بالماء, فأخذ أكبرهم السكين يقلد أباه في ذبح الشاة وقام على أخيه الأوسط فأضجعه ثم ذبحه ذبح الشياه, وجاء لأمه يخبرها فصاحت ورمت بالصغير في وعاء الماء فغرق الصغير في الوعاء, ثم خرجت للأوسط وهو يتشحط في دمه, وهرب أكبرهم للشارع اعترضته سيارة فدهسته, ذهلت الأم و ثكلت جميع أبنائها , فجاء الأب فإذا بها تترنح وتخبره الخبر ثم تسقط ميتة وجداً على أبنائها الثلاثة, وإنا لله وإنا إليه راجعون: صُبت عليها مصائب لو أنها ......... صُبت على الأيام عُدنَ لياليا
أما الأب فحمد الله واسترجع, ثم دخل إلى أضيافه وطلب منهم أن يحفروا قبوراً , وأخبرهم الخبر فياله من خبر ويالها من ضيافة ! حفروا القبور وصلوا على الجميع ودعوا للميت والحي , واستعد كل منهم أن يقدم ابنته زوجة لهذا الرجل الصابر فاختار ابنة أحدهم فتزوجها , ويذكر من نقل هذا أن له ثلاثة عشر ولداً من هذه الزوجة.
حدث عظيم، وخطب أليم , فهلا نظرت إلى هذا أيها المصاب ؟ فما مصابك مع مثل هذا المصاب ؟ ستهون عليك مصيبتك بلا شك , واعلم أنه هناك من هو أعظم من مصابك , فإذا علم المصاب علم اليقين أنه لو فتش هذا العالم كله , لم يرَ إلا مبتلى بفوات محبوب أو بحصول مكروب , سري عنه , فسرور الدنيا أحلام إن أضحكت أبكت وإن سرت ساءت , وما حصل لشخص يوماً سرور إلا أعقبه شرور , فلكل فرحة ترحة , وما كان ضحك قط إلا وكان بعده بكاء , فلتعلم ولتتأمل أحوال المكروبين أيها المصاب فما مصيبتك بينهم إلا ذرة في فضاء المصائب , وقطرة في بحار الكروب.
تأسَّ أطال الله عمرك بالأُلى .......... مضوا ولهم ذكر جميل مخلدُ
فلو لم يكن في الموت خير لمن مضى .. لما مات خير الأنبياء محمدُ

وأخيراً : فإن مما يكشف الكربة عند فقد الأحبة :-
الدعاء والتضرع , واللجوء لله سبحانه وتعالى رب الأرض والسماء , كاشف الضراء , وإن يصبك بسراء فلا راد للسراء، وفي السنة النبوية الغراء من الأحاديث الصحيحة ما يكشف الهم والكرب والضراء , ففي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( ما أصاب عبداً قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك بن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيّ حكمك , عدل فيّ قضاؤك , أسألك اللهم بكل اسم هم لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت في علم الغيب عندك أو علمته أحداً من خلقك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي , إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً).
فالدعاء الدعاء فإن الله عز وجل قال:
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).
يا أيها المكروب خاصة , يا أيها الناس عامة , ادعوا ربكم تضرعاً وخفية , ففيه المطمع وإليه المفزع , لا إله إلا هو من لكم غيره يجبر كسركم ؟
من لكم غيره يبدد أحزانكم ؟
من لكم غيره يؤنسكم في وحشتكم ؟
من لكم إذا دفعتم عن الأبواب إلا بابه ؟
من لكم غيره أعز مطلوب وأشرف مرغوب ؟
لا إله إلا هو ... أيها المصابون عليكم من الله الرحمات عدد ما سكبتم من العبرات وكظمتم من الأنات جعل الله مصابكم من الباقيات الصالحات , وأمنكم من الفزع يوم تنشر السجلات , وتقبل الله منا ومنكم وكتب لنا السعادة في الحياة والممات.
وآخر ما يكشف الكرب :-
اعلم أن الذي قدر عليك الأقدار حكيم خبير لا يفعل شيئاً عبثاً ولا يقدّر شيئاً سدىً بل هو رحيم تنوعت رحمته سبحانه وبحمده , يرحم العبد فيعطيه , ثم يرحمه فيوفقه للشكر , ثم يرحمه فيبتليه , ثم يرحمه فيوفقه للصبر ثم يرحمه فيكفر بالبلاء ذنوبه وآثامه , ثم ينمي حسناته ويرفع درجاته , ثم يرحمه فيخفف من مصيبته وطأتها , ويهون مشقتها ثم يتمم أجرها , فرحمته متقدمة على التدابير السارة والضارة ومتأخرة عنها , ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
أحبتي في الله , هذه الكلمات جمعتها من كتيبات وكتب وصغتها لكم صياغة فقط , بعون من الله وتوفيق منه وتسديد , إن أكن أصبت فذلك الذي أردت , وإن تكن الأخرى فحسبي أن ذلك وسعي وجهدي وحسب معرفتي وقدرتي , عظم الله أجر الجميع وجبر كسرهم وعوضهم خيري الدنيا والآخرة فيما فقدوا وجعل هذه الكلمات في صحائف الحسنات يوم تعز الحسنات خالصة لوجه رب السموات والأرض.
اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير.
يا الله يا حي يا قيوم يا من لا تأخذه سنة ولا نوم , يا بديع السموات والأرض , يا فالق الحب والنوى , يا ذا الجلال والإكرام يا عظيم العفو , يا واسع المغفرة يا قريب الرحمة , نسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام , يا هادي المضلين ويا راحم المذنبين , يا من عنت له الوجوه وخضعت له الرقاب , وخشعت له الأصوات وفاضت له العبرات , ورغمت له الأنوف , انقطع الرجاء إلا منك , وخابت الظنون إلا فيك , وضعف الاعتماد إلا عليك , نسألك أن تكفينا ما أهمنا وما أغمنا وأن تجبر كسرنا , وأن تعظم أجرنا وأن تعيذنا من شرور أنفسنا , وأن ترحم موتانا وأن تلطف بمبتلانا , وأن ترحم غربتنا في الدنيا ومصرعنا عند الموت , ووقوفنا بين يديك وأن تقينا من ميتة السوء ومن يوم السوء وساعة السوء ,وليلة السوء وجار السوء وصاحب السوء , وأن تعيذنا من النفاق وسوء الأخلاق.
اللهم إنا نسألك فرجاً عاجلاً للمسلمين مما هم فيه وملاقوه , اللهم اكشف كروبنا ونفّس همومنا واقضِ حاجاتنا , اللهم هبنا عطاءك ولا تكشف عنا غطاءك , ورضنا بقضائك , اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين , اللهم اجعل قبورهم من الجنة رياضاً.
اللهم إنهم عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك , احتاجوا لرحمتك وأنت غني عن عذابهم , اللهم زد في حسناتهم وتجاوز عن سيئاتهم , فأنت أرحم بهم من أمهاتهم , لا إله غيرك , ولا معبود سواك , لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.


توقيع : أم عبد المنعم


رد مع اقتباس