#1
|
||||
|
||||
سبب وضع الجزية
سَبَبُ وَضْعِ الْجِزْيَةِ مقالات مختارة من كتب ابن القيم وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى حَرْفٍ وَهُوَ أَنَّ الْجِزْيَةَ هَلْ وُضِعَتْ عَاصِمَةً لِلدَّمِ، أَوْ مَظْهَرًا لِصَغَارِ الْكُفْرِ وَإِذْلَالِ أَهْلِهِ فَهِيَ عُقُوبَةٌ؟ فَمَنْ رَاعَى فِيهَا الْمَعْنَى الْأَوَّلَ قَالَ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عِصْمَتِهَا لِدَمِ مَنْ خَفَّ كُفْرُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ - أَنْ تَكُونَ عَاصِمَةً لِدَمِ مَنْ يَغْلُظُ كُفْرُهُ. وَمَنْ رَاعَى فِيهَا الْمَعْنَى الثَّانِيَ قَالَ: الْمَقْصُودُ إِظْهَارُ صَغَارِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ وَقَهْرِهِمْ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَخْتَصُّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَلْ يَعُمُّ كُلَّ كَافِرٍ. قَالُوا: وَقَدْ أَشَارَ النَّصُّ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] ، فَالْجِزْيَةُ صَغَارٌ وَإِذْلَالٌ، وَلِهَذَا كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ ضَرْبِ الرِّقِّ. قَالُوا: وَإِذَا جَازَ إِقْرَارُهُمْ بِالرِّقِّ عَلَى كُفْرِهِمْ جَازَ إِقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ بِالْأَوْلَى ; لِأَنَّ عُقُوبَةَ الْجِزْيَةِ أَعْظَمُ مِنْ عُقُوبَةِ الرِّقِّ؛ وَلِهَذَا يُسْتَرَقُّ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَغَيْرِهِمْ. فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا يُسْتَرَقُّ عَيْنُ الْكِتَابِيِّ - كَمَا هِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ - كُنْتُمْ مَحْجُوجِينَ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَسْتَرِقُّ سَبَايَا عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَيَجُوزُ لِسَادَاتِهِنَّ وَطْؤُهُنَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ سَبَايَا " أَوْطَاسٍ "، وَكَانَتْ فِي آخِرِ غَزَوَاتِ الْعَرَبِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ أَنَّهُ قَالَ: " «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ» ". فَجَوَّزَ وَطْأَهُنَّ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْإِسْلَامَ، وَأَكْثَرُ مَا كَانَتْ سَبَايَا الصَّحَابَةِ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقِرُّهُمْ عَلَى تَمَلُّكِ السَّبْيِ. وَقَدْ دَفَعَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا امْرَأَةً مِنَ السَّبْيِ نَفَلَهَا إِيَّاهُ، وَكَانَتْ مِنْ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ. وَأَخَذَ عُمَرُ وَابْنُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ سَبْيِ " هَوَازِنَ "، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ. وَهَذِهِ الْحَنَفِيَّةُ أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ سَبْيِ بَنِي حَنِيفَةَ. . وَفِي الْحَدِيثِ: " «مَنْ قَالَ كَذَا وَكَذَا فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَ أَرْبَعَ رِقَابٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ» " وَلَمْ يَكُونُوا أَهْلَ كِتَابٍ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ. قَالُوا: وَإِذَا جَازَ الْمَنُّ عَلَى الْأَسِيرِ وَإِطْلَاقُهُ بِغَيْرِ مَالٍ وَلَا اسْتِرْقَاقٍ فَلَأَنْ يَجُوزَ إِطْلَاقُهُ بِجِزْيَةٍ تُوضَعُ عَلَى رَقَبَتِهِ تَكُونُ قُوَّةً لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْلَى وَأَحْرَى، فَضَرْبُ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ عُقُوبَةً فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ عُقُوبَةِ الِاسْتِرْقَاقِ، وَإِنْ كَانَ عِصْمَةً فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ عِصْمَتِهِ بِالْمَنِّ عَلَيْهِ مَجَّانًا، فَإِذَا جَازَ إِقَامَتُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ فَإِقَامَتُهُ بَيْنَهُمْ بِالْجِزْيَةِ أَجْوَزُ وَأَحْوَزُ، وَإِلَّا فَيَكُونُ أَحْسَنَ حَالًا مِنَ الْكِتَابِيِّ الَّذِي لَا يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا بِالْجِزْيَةِ. فَإِنْ قُلْتُمْ: إِذَا مَنَنَّا عَلَيْهِ أَلْحَقْنَاهُ بِمَأْمَنِهِ، وَلَمْ نُمَكِّنْهُ مِنَ الْإِقَامَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. قِيلَ: إِذَا جَازَ إِلْحَاقُهُ بِمَأْمَنِهِ حَيْثُ يَكُونُ قُوَّةً لِلْكُفَّارِ وَعَوْنًا لَهُمْ وَبِصَدَدِ الْمُحَارَبَةِ لَنَا مَجَّانًا، فَلَأَنْ يَجُوزَ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ يَكُونُ قُوَّةً لِلْمُسْلِمِينَ وَإِذْلَالًا وَصَغَارًا لِلْكُفْرِ أَوْلَى وَأَوْلَى. يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ إِذَا جَازَتْ مُهَادَنَتُهُمْ لِلْمَصْلَحَةِ بِغَيْرِ مَالٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ تَحْصُلُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَأَنْ يَجُوزَ أَخْذُ الْمَالِ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ وَقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْلَى وَهَذَا لَا خَفَاءَ بِهِ. يُوَضِّحُهُ أَنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ إِذَا كَانُوا أُمَّةً كَبِيرَةً لَا تُحْصَى كَأَهْلِ الْهِنْدِ وَغَيْرِهِمْ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ اسْتِئْصَالُهُمْ بِالسَّيْفِ، فَإِذْلَالُهُمْ وَقَهْرُهُمْ بِالْجِزْيَةِ أَقْرَبُ إِلَى عِزِّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَقُوَّتِهِ مِنْ إِبْقَائِهِمْ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ فَيَكُونُونَ أَحْسَنَ حَالًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْجِزْيَةَ مِنْ بَابِ الْعُقُوبَاتِ لَا أَنَّهَا كَرَامَةٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا سِوَاهُمْ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّ الْجِزْيَةَ عِوَضٌ عَنْ سُكْنَى الدَّارِ - كَمَا يَقُولُهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - فَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ سَيَأْتِي التَّعَرُّضُ إِلَيْهَا فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالُوا: وَلِأَنَّ الْقَتْلَ إِنَّمَا وَجَبَ فِي مُقَابَلَةِ الْحِرَابِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْكُفْرِ وَلِذَلِكَ لَا يُقْتَلُ النِّسَاءُ وَلَا الصِّبْيَانُ وَلَا الزَّمْنَى وَالْعُمْيَانُ وَلَا الرُّهْبَانُ الَّذِينَ لَا يُقَاتِلُونَ بَلْ نُقَاتِلُ مَنْ حَارَبَنَا. وَهَذِهِ كَانَتْ سِيرَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَهْلِ الْأَرْضِ؛ كَانَ يُقَاتِلُ مَنْ حَارَبَهُ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي دِينِهِ أَوْ يُهَادِنَهُ أَوْ يَدْخُلَ تَحْتَ قَهْرِهِ بِالْجِزْيَةِ، وَبِهَذَا كَانَ يَأْمُرُ سَرَايَاهُ وَجُيُوشَهُ إِذَا حَارَبُوا أَعْدَاءَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، فَإِذَا تَرَكَ الْكُفَّارُ مُحَارَبَةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَسَالَمُوهُمْ وَبَذَلُوا لَهُمُ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ كَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلِلْمُشْرِكِينَ. أَمَّا مَصْلَحَةُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَمَا يَأْخُذُونَهُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي يَكُونُ قُوَّةً لِلْإِسْلَامِ مَعَ صَغَارِ الْكُفْرِ وَإِذْلَالِهِ، وَذَلِكَ أَنْفَعُ لَهُمْ مِنْ تَرْكِ الْكُفَّارِ بِلَا جِزْيَةٍ. وَأَمَّا مَصْلَحَةُ أَهْلِ الشِّرْكِ فَمَا فِي بَقَائِهِمْ مِنْ رَجَاءِ إِسْلَامِهِمْ إِذَا شَاهَدُوا أَعْلَامَ الْإِسْلَامِ وَبَرَاهِينَهُ، أَوْ بَلَغَتْهُمْ أَخْبَارُهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْضُهُمْ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِهِمْ. وَالْمَقْصُودُ إِنَّمَا هُوَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَلَيْسَ فِي إِبْقَائِهِمْ بِالْجِزْيَةِ مَا يُنَاقِضُ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا أَنَّ إِبْقَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْجِزْيَةِ بَيْنَ ظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُنَافِي كَوْنَ كَلِمَةِ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا،وَكَوْنَ الدِّينِ كُلِّهِ لِلَّهِ، فَإِنَّ مِنْ كَوْنِ الدِّينِ كُلِّهِ لِلَّهِ إِذْلَالَ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ وَصَغَارَهُ وَضَرْبَ الْجِزْيَةِ عَلَى رُءُوسِ أَهْلِهِ، وَالرِّقِّ عَلَى رِقَابِهِمْ فَهَذَا مِنْ دِينِ اللَّهِ وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا إِلَّا تَرْكُ الْكُفَّارِ عَلَى عِزِّهِمْ وَإِقَامَةِ دِينِهِمْ كَمَا يُحِبُّونَ بِحَيْثُ تَكُونُ لَهُمُ الشَّوْكَةُ وَالْكَلِمَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
|
#2
|
|||
|
|||
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته في الغالب القول الثاني هو الارجح بارك الله فيكِ وجزاكِ الله خيراً
|
#3
|
||||
|
||||
بارك الرحمن بكم ووفقكم لكل خير
|
|
|