المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عدم التفريق بين المرض العضوي والنفسي وبين الصرع والمس


أم عبد المنعم
12-30-2011, 01:24 AM
عدم التفريق بين المرض العضوي والنفسي وبين الصرع والمس
للشيخ محمد المقدم



بعض المرضى بمرض عضوي مزمن أو نفسي ييأسون من علاج حالاتهم، أو من قدرتهم على الخروج من المشكلات الاجتماعية، فإذا ما انتبه صاحب هذا الدافع إلى هذا الداء الجديد .. داء السحر واعتداء الجن؛ فسرعان ما يتعلق بالقشة، ويهديه تفكيره إلى أن سبب هذا المرض الذي يعاني منه هو من الجن أو السحر أو نحو ذلك، فيهرع إلى طلب العلاج. هناك أمراض عضوية، وهناك أمراض نفسية، والمريض بالمرض النفسي قد يتأثر بما يقرأه ويسمعه حتى يقع فريسة الإيحاء الذاتي، فيقرأ عنه من باب الفضول وحب الاستطلاع خاصة النساء؛ لأن أصل كلمة هستيريا مأخوذة من كلمة (هسترا) يعني: الرحم، فكانوا فيما مضى يقصرون هذا المرض فقط على النساء، إلى أن اقتنعوا في العصر الحديث بأنه مرض يصيب الرجال والنساء، لكن نسبة النساء فيه أكثر. الشاهد: أن النساء لهن تأثر بهذا المجال أكثر من غيرهن، حيث يقرأن عن الجان، ونواميسه، وحركاته، وكيفية اعتدائه ومسه للإنسان، ويفصل مؤلف الكتاب، ويشرح أعراض المرض، وأسبابه، وطرق علاجه... وأكبر خطأ يرتكبه المؤلفون: أنهم يجعلون هذه المادة متوفرة ومتاحة لكل من شاء، ويسترسل المؤلف في ذكر أعراض قد تتشابه في كثير من الحالات مع أعراض الأمراض العضوية والنفسية؛ من صداع، وضيق الصدر، وارتفاع ضغط الدم أو انخفاضه، أو مغص، أو غثيان، أو شبه غيبوبة، أو اضطراب عصبي، أو تشنجات إلى أو غير ذلك، وهذه الأعراض قد تقابلنا في حياتنا اليومية نتيجة أسباب شتى ومشاكل اجتماعية يعانيها الإنسان، فإذا كانت المرأة أو الشخص الذي يقرأ هذا الكتاب يعاني من هذه المشكلات فسوف يقتنع في ضوء ما قرأه أن به مس من الجن، أو أن هذه المرأة وقعت في شرك السحر، في حين أن الحقيقة غير ذلك، خاصة وأن بعض المرضى النفسيين يكون عندهم ما يسمى بالميل للاضطهاد، وكثير من الشعب المصري عنده ميل إلى أن يبين أنه مظلوم، وأن بعض الناس يحسدوه، أو يتآمروا عليه، أو يعملون له سحراً، أو أن الجن يؤذونه... إلى غير ذلك من مظاهر الشكوى والتظلم؛ وإسقاط المشاكل على الآخرين. فكثير من الحالات -التي هي في الأصل سالمة من الجن- عندها أعراض إما عضوية أو نفسية، وتجد أحدهم يتوغل في الوهم إلى أن يصبح الوهم في نظره حقيقة واقعة، وربما أدى به الأمر إلى أنه يتعرض لصرع الجن حقيقة؛ بسبب ذهابه إلى المعالجين، وهم الذين يجلبون له الجن، ويجنون عليه.

كثرة التخوف من الجن والمبالغة فيه

من جراء انتشار هذا الكلام، والمبالغة في الحديث عنه من خلال الكتب والأشرطة والجرائد انتشرت الأوهام والوساوس، والخوف المرضي، والهلع، وتغلغل ذلك في قلوب كثير من الناس، حتى إنهم عظموا الجن، وخافوا ورهبوا منهم، وضعف التوكل على الله سبحانه وتعالى، وتعلق الناس بالمخلوق الضعيف الذي يعتقدون أن عنده العلاج بدلاً من وثوقهم بالله سبحانه وتعالى، فصار فيهم شبه بمؤمني الجن الذين قالوا: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً [الجن:6]، وهذا نفس ما حصل من هؤلاء المعالجين ومن هؤلاء المرضى، وقوله: (رهقاً) يعني: خطيئة وإثماً، قال القرطبي : المراد به ما كانوا يفعلونه في الجاهلية، كان الرجل إذا نزل في وادي وأراد أن يبيت فيه يقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه. فيبيت في جواره حتى يصبح، أي: يتعوذ بملك الجن في هذه المنطقة من شر سفهاء قومه، فيبيت في جوار هذا السيد حتى يصبح. قال مجاهد : (( فَزَادُوهُمْ )) أي: أن الإنس زادوا الجن طغياناً بهذا التعوذ، والواو هنا -على هذا القول- تعود إلى الإنس، يعني: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ [الجن:6] أي: يتحصنون ويحتمون ويلتجئون، بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6] يعني: فتسبب الإنس بفعلهم هذا في أن زادوا طغيان الجن، ونحن لا نعتب على الجن في هذه الحالة؛ لأنهم وجدوا أناساً عقولهم ضعيفة، فما بالهم لا يلعبون بهم وقد أتوا إليهم بأنفسهم، وأعطوهم من السلطان ما لم يكونوا يحلمون به؟! ولماذا لا يصرعهم الجن في الحقيقة؟! حتى قالت الجن: سدنا الإنس والجن. وقال قتادة و أبو العالية و الربيع و ابن زيد : ازداد الإنس بهذا فرقاً وخوفاً من الجن، وقال سعيد بن جبير : فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن:6] يعني: كفراً. وقد فُتح باب من الشر والبلاء، وخُدش التوحيد، وانتشر السحر، والجدل، وإهمال الدعوة بسبب الانشغال بكل هذه الأشياء التي فتحت لنا أبواباً من الشر ما كنا نسمع عنها من قبل، ولولا أني لست من أنصار تفسير كل شيء بالتآمر العلماني واليهودي والصليبي والاستشراقي لقلت: لا يبعد أن يكون هذا من فعل أعداء الإسلام، فهم الذين شجعوا هذا الخط، لكن أنا لست من أنصار هذا المنهج، وقد حقق هؤلاء من حيث لا يدروا لأعداء دعوة التوحيد مكاسب عظيمة جداً، ولابد أن أعداء الإسلام سيشكرون لهم أن شغلوا الناس بهذه الأشياء، وصدوا الناس عن سبيل الله، وأوقعوهم في الشرك، وأحيوا كثيراً من الفتن التي نلمسها!! يقول الرازي في تفسير الآية: المعنى: أن رجال الإنس إنما استعاذوا بالجن خوفاً من أن يغشاهم الجن، ثم إنهم زادوا في ذلك الغشيان، فإنهم لما تعوذوا بهم ولم يتعوذوا بالله استذلوهم واجترءوا عليهم، فزادوهم ظلماً. إذاً: الإنس هم الذين تسببوا في زيادة طغيان الجن، وكثير من هؤلاء الناس الذين يدّعون الصرع، ومن هؤلاء المسمين بالمعالجين، كان لهم دور كبير في إشاعة المس الوهمي والمس الحقيقي، (( فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ))، فاغتنم الشيطان حالة الرعب والفزع التي انتابت الناس بطريقة وبائية أكثر مما غنم من الطبع واللمس نفسه. ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه فكان أن زادهم الشياطين رهقاً لما رأوهم قد ولعوا باللبس الجني، ونفخوا في الشيطان، حتى خافوه ونسوا قوله تبارك وتعالى: فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76]. بدلاً من الدعوة إلى التوحيد، وإلى تقوية الإيمان والتوكل على الله سبحانه وتعالى، وأن يتلوا عليهم قوله تبارك وتعالى: فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:175]، وقوله تبارك وتعالى: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76]، بدل هذا كله؛ إذا بهم ينفخون ويعظمون الشيطان الذي أُمرنا بتحقيره وتصغيره، والصواب هو تحقيره وازدراؤه، كما روى الإمام أحمد : (إن المؤمن لينضي شياطينه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر)، قوله: (ينضي) يعني: يأخذ بناصيته ويقهره ويذله، ألم يكن إبليس كما قال النبي عليه الصلاة السلام في حق ابن الخطاب : (ما رآك الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غيره)؟! بدل أن يوقدوا شعلة الإيمان واليقين في قلوب الناس، والتوكل على الله سبحانه وتعالى؛ حتى تحرق بنورها هؤلاء الشياطين، إذا بهم يجتهدون في إطفاء هذه الجذوة الإيمانية بتضخيم الشياطين، وأن الشياطين يفعلون ويفعلون! وهم بهذا الاعتقاد يضادون المنهج النبوي الذي علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم. فإن الرسول عليه الصلاة والسلام علمنا كيف نحقر الشيطان، وكيف نتجنب الأشياء التي تنفخ هذا الشيطان وتعظمه، فعن رجل من الصحابة رضي الله تعالى عنهم قال: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فعثرت دابتي، فقلت: تعس الشيطان، فقال: لا تقل: تعس الشيطان، ولكن قل: باسم الله، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب)، أي: لأنك إذا قلت: تعس الشيطان، كأنك تبين أن الشيطان قد بلغ منك مبلغاً حينما يكيدك وأنه يفعل بك ما يريد، وهذا مما ينافي سلوك أهل التوحيد. فهؤلاء الذين يهزمهم الرعب والخوف هم مرضى من كثرة ما يسمعون، فهم يفزعون ويخافون، بل ويخيفون الأطفال، فإن الأطفال حينما يسمعون هذه الأشياء يخافون من النوم في الظلمة، ومن الجلوس في البيت بمفردهم، وهذا خوف مرضي، وهو خطر على نفسية الأطفال بلا شك. فهؤلاء يهزمون أنفسهم بأنفسهم بسبب الرعب الذي يُدخلونه في قلوبهم من خوف الجان، كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ [المدثر:50]، وينادي أولهم آخرهم: الجن.. الجن، السحر.. السحر، العين.. العين!

أم عبد المنعم
12-30-2011, 01:28 AM
خطر انغماس بعض الدعاة في علاج المس

إن ظاهرة انغماس المعالج في هذا الأمر ينتج عنها أشد الأضرار، وأول من يصطلي بنارها هو المعالج نفسه، فبمجرد أن يشاع أن فلاناً عالج حالة مرضية، إذا بالناس يتقاطرون على بيته ليل نهار، وإذا بطابور طويل من المرضى يتبعه من البيت إلى المسجد، ومن منزل إلى آخر، والنتيجة هي اضطراب شامل في نظام حياته، واستهلاك كامل لوقته، ولا أحد يعينه على الانتظام في عمله أو وظيفته أو دراسته، فيحدث عنده خلل على مستوى المسئوليات الشخصية أو الأسرية أو الاجتماعية أو الوظيفية أو الدعوية، فالذي كان داعية من قبل أصبح في وضع يقول له الناس: ألست أنت الذي كنت تنهانا عن الشعوذة ها أنت الآن تمارس ما كنت تسميه من قبل شعوذة؟! وهو مستغرق تماماً في علاج هذه الحالات المزعومة، وبعد أن كان محتسباً إذا به يترقى درجة ليصبح محترفاً ومرتزقاً بهذا العمل، وقد يصل به الأمر إلى المغالاة في الأجور، والإلحاح في الطلب! أما المعالج نفسه فمن أخطر الآثار عليه: أنه لو كانت الحالة ليست حالة مس، وإنما هي حالة وهم ومرض كاذب، فإنه قد يسلك مسالك تؤكد لهذا المريض الحالة التي عنده تماماً، ولا يبين له كما بين الطب الجسمي العضوي والطب النفسي، كأن تكون حالة أعصاب أو نوعاً من القلق أو الأرق، فقد يشتكي المريض من نفس الأعراض -وهو صادق في ذلك- لكن سببها هو سبب نفسي، وليس سبباً عضوياً، فهي حالة نفسية بطريقة معينه تؤثر وتوجد نفس الأعراض، وليس سببها هو الجن. فهذا المعالج أحياناً يضرب هذا المريض، وقد يصل بالضرب إلى حد القتل! فيُصدم هو، وقد يصاب بالذهول، أو الجنون، وربما يؤثر على بيته؛ لأنه غالباً يهمل شئون أسرته فيتصدع بيته، وربما وصل الأمر مع زوجته إلى الطلاق، وإذا كان من الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أو من طلبة العلم الشريف فلا شك أن هذه الوظائف الشريفة سوف تُطوى في عالم النسيان؛ لانغماسه في علاج هذه الحالات، وهو في الحقيقة ضرب من التخدير، وإلهاء الناس عن واقعهم وعن الطريقة الصحيحة للتعامل مع الشيطان، وهي: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً [فاطر:6]. فكم شغلت هذه الظاهرة دعاة عن الدعوة؟! وكم حولت دعاة إلى مشعوذين وكهنة؟! حتى أن بعض الناس يقول لأحد الإخوة: أنا بالأمس قابلت أخاً كاهناً! منذ متى أصبح الكاهن أخاً؟! ومنذ متى أُضيفت كلمة (أخ) إلى (كاهن) حتى يصبح أخاً وكاهناً؟! الله المستعان. ومن الأمور الخطيرة جداً: أن الشياطين أذكياء في إغواء الناس وإضلالهم، فالشيطان إذا رأى الناس قد التفوا حول شخص من هؤلاء المعالجين، فإن له طرقاً شتى يحاول أن يفتن بها هذا المعالج، كأن ينفخ فيه الغرور، حيث يكون هذا الشيطان متلبساً بشخص، فيقول له الناس: سوف نأتي لك بالشيخ فلان المعالج، فيقول: إلا فلان! لا تحضروا هذا الشيخ؛ فإنه سيحرقني، أنا سأهرب وأخرج من غير أن تأتوا به!! والشيطان له هدف من وراء هذا الكلام، وهو نفخ المعالج، لكي يملأه بالغرور، حتى يتمادى في هذا الطريق المهلك؛ لأن الشيطان خبير في إغواء الناس وإضلالهم، فالشيطان يساعده في وظيفته دون أن يشعر هو، ويقع فريسة للشيطان دون أن يشعر، وكم سمعنا من هذه المواقف التي تماثل ما ذكرناه. وقد انتشرت هذه الظاهرة المهلكة، ثم ينتج عن ذلك غلو في هذا المعالج، حتى ربما يعتقد الناس أن فيه سراً معيناً ليس موجوداً في غيره، فالناس يتزاحمون عليه ويشدون إليه الرحال من كل بلاد إليه ويضربون إليه أكباد السيارات حينما يسمعون ما ينشر عنه من حكايات غريبة، وكيف أن أكثر المصروعين تكلمت الشياطين على ألسنتهم أمام هذا القارئ، وأخذ العهد من الشيطان أنه لا يعود إلى ذلك المصروع، وهذا المعالج ينخدع بكلام هذا الجني الشيطان، وربما يكون المتكلم هو المريض نفسه حيث يتقمص شخصية الجني، ولكثرة ما سمع عن الجن فإنه يعيش نفس الدور بكل إتقان. وهذا الكلام الذي يقوله الجن أو الشيطان إنما هو استدراج وفتنة له؛ كي يصرفه أكثر عن سبيل الله وعن الصراط المستقيم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ولما كانت الخوارق كثيراً ما تنقص بها درجة الرجل -أي: تنقص درجته في الولاية بسبب حصول الخوارق- كان كثير من الصالحين يتوبون من مثل ذلك ويستغفروا الله تعالى، كما يتوبوا من الذنوب كالسرقة وغيرها، وتعرض على بعضهم فيسأل الله زوالها -يخشى من الكرامة؛ لأنها قد تنزل مرتبته- وكلهم يأمر المريد -أي: يأمر تلامذته- ألا يقف عند خوارق العادات، ولا يجعلها همه، ولا يتبجح بها، مع ظنهم أنها كانت كرامات، فكيف إذا كانت في الحقيقة من الشياطين؟! فإني أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع، وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها، وأعرف من يخاطبهم الحجر والشجر، ويقول: هنيئاً لك يا ولي الله، فيقرأ آية الكرسي فيذهب ذلك -أي: أنه شيطان- وأعرف من يقصد صيد الطير فتخاطبه العصافير ونحوها، وتقول: خذني حتى يأكلني الفقراء، ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنس ويخاطبه بذلك. فأنت تعرف أن هذا شيطان، وهو الذي يمدحك، فليس في الأمر أي اشتباه، وإذا كان أحد السلف يأتيه الرجل ويقول له: رأيتك في الجنة تطير! فيبكي ويقول: لعلها تكون من الشيطان يريد أن يغرني ويريد أن يذلني. فلابد أن يكون الإنسان على حذر من الشيطان حتى اللحظة الأخيرة. وقد روي في ترجمة الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أنه عند موته فوجئ ابنه بأنه يقول: لا بعد، لا بعد، فبعد ما أفاق قال له ابنه: يا أبت! قلت شيئاً غريباً! كنت تقول: لا بعد، لا بعد، قال: يا بني! هذا الشيطان عرض لي في ركن الحجرة، وهو يعض أنامله ويقول: فُتَّني يا أحمد -أي: سوف تموت وما استطعت أن أضلك- فكان يرد عليه الإمام أحمد : لا بعد، لا بعد. أي: ما دام فيَّ عرق ينبض فلا آمن الفتنة. وهذا باب من أبواب الفتنة الخطيرة جداً، وأنت نفسك تعرف أن الشيطان هو الذي يقول: إلا المعالج فلان، انتبهوا! لا تأتوا لي بفلان، أنا سوف أخرج، لكن لا أريد أن يأتي ليحرقني... إلى آخر هذا الكلام الماكر، فهو شيطان، وأنت تعترف أنه شيطان،
فكيف تقبل نصيحة شيطان رجيم؟! وكيف تغتر بكلامه وبمدحه إياك وهو يريد أن يغرك ويفتنك عن صراط الله المستقيم؟
فهذا المعالج قد يتوهم أن الناس الذين ازدحموا على بابه من كل الآفاق إنما هو لقوة إيمانه، ويرى المرضى الكثيرون الذين يعافيهم الله سبحانه وتعالى على يده، وكيف أنه قهر الشياطين وقهر الجان، فأصبحت الشياطين تخاف منه وتخرج من المصروعين، فيتوهم أنه من الأولياء الأبرار، ويصيبه العجب الذي هو أخوف ما خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، وها هو عمر رضي الله تعالى عنه يخاف على أُبيّ رضي الله تعالى عنه من كثرة الأتباع والتلاميذ الذين يطأون عقبه، وهذا عمر رضي الله عنه يعزل خالد بن الوليد وهو في أوج انتصاراته وفتوحاته؛ خشية أن يفتن الناس بـخالد بن الوليد ويظنوا أن النصر يأتي من خالد بن الوليد ، فإذا كان هذا في حق خير هذه الأمة التي أُخرجت للناس، فكيف في حق هؤلاء الضعفاء؟! أما الأثر على المريض -ونعني به: المريض بغير الصرع، وعومل على أنه مصروع- من الضرب أو القتل الذي يحصل له إذا عولج بالقرآن الكريم وهو في الحقيقة ليس مصروعاً، فلا يحصل له شفاء في نظره، بل قد يحصل تشكيك لضعاف اليقين من هؤلاء المرضى في جدوى العلاج بالقرآن الكريم، وقد يصل أمر المريض إلى أن يفكر في الانتحار إذا أيس من العلاج. ......

أم عبد المنعم
12-30-2011, 01:32 AM
تصحيح نظرة العوام للقرآن

كثير من الناس يرى أن القرآن الكريم عبارة عن دواء يؤخذ للعلاج! هذا هو تصورهم للقرآن، وهذا هو المدخل الذي دخلوا منه للتعامل مع القرآن، فالقرآن في نظرهم ما هو إلا دواء، والمقصود منه أن يصل بالمريض إلى حالة الشفاء، وهذا اعتقاد غير صحيح، فينبغي التعامل مع القرآن على أنه كتاب الله سبحانه وتعالى، وأنه طريق السعادة في الدارين، ومنهج كامل للحياة، ولا يُنظر للقرآن على أنه فقط مجرد دواء لبعض الأمراض، بغض النظر عن أنه منهج شامل لحياته. وينبغي ألا يكون التعامل مع القرآن الكريم من خلال التلاوة الذاتية التي يتعبد بها الإنسان بالتلاوة والصوت والحركات والحروف، أو من خلال تشغيل المسجل، وحتى الإخوة الملتزمون يكتفي بعضهم بسماع المسجل، ويقول أحدهم: أنا لا أقطع صلتي بالقرآن، بل أسمع إذاعة القرآن الكريم كثيراً. صحيح أن هذا شيء طيب، لكن لا شك أن الأعظم والأجدى والأكثر ثواباً أن تقرأ وتتعبد الله بتلاوة القرآن، بحيث يخرج من قلبك ولسانك أنت، ومن الجفاء أن يغلب علينا الاهتمام بالقرآن عن طريق الأشرطة، أو الكمبيوتر. ويحصل عند بعض المعالجين أن يصرف للمريض شريط تسجيل للقرآن الكريم فيه سورة البقرة وآيات محدودة معدودة، ويكون هذا كل ما يعالج به المريض من القرآن الكريم. وكثير من الناس إذا مرض لهم مريض -وقد لا يكون مصروعاً- يسارعون قائلين: ابحثوا عمن يرقيه! ابحثوا له عن معالج! هل من راق؟! دون أن يكون هناك حافز على أن يرقي الإنسان نفسه، مع أن الأصل في العلاج أن كل إنسان يرقي نفسه، وإلا ما الذي وسع دائرة هذه الظاهرة؟! ما لماذا لا ترقي نفسك بالقرآن؟! هل من اللازم إيجاد وسائط؟! نحن لا نقول: إن الإنسان لا يجوز له أن يرقي غيره، لكن نقول: لماذا نحصرها في هذا الإطار الضيق؟! لماذا لا يرقي الرجل زوجته بدل أن يحملها بنفسه إلى هؤلاء الناس؟! لماذا لا يرقي ولده؟ لم لابد من معالج اصطفيناه لهذه الوظيفة بالذات؟ لقد اصبح الجهد الوحيد والهدف الوحيد عند حصول حالة من هذه الحالات هو البحث عمن يقرأ عليه وكفى! كأن الناس اعتقدوا أن هذا هو التصرف السليم، وتجاهلوا أن ربنا سبحانه وتعالى أقرب لأحدهم من حبل الوريد، فالقرآن موجود، والتحصينات القرآنية موجودة، والأدعية النبوية موجودة، فلماذا لا ترقي نفسك أنت؟ لم لابد من معالج كما يزعمون؟ ......

بعض أخطاء المعالجين بالقرآن

من أخطار المنهج الذي يتعامل به هؤلاء المعالجون مع هذه الحالات -وهذا يصدر عن حسن نية المعالج إن شاء الله- أنه يحاول أن يستثمر سلطة المرض في تحسين التزام هذا المريض بالإسلام، وهم يصيبون فعلاً حينما يقولون: هذا بسبب الذنوب والمعاصي، فيقول له مثلاً: الجني يأتي في البيت ويعاكسك بسبب وجود صور في البيت، أو فيه كلب، أو أنك تستمع الموسيقى، أو عندك تلفزيون أو فيديو...إلخ، فعليك أن تتخلى عن هذه الأشياء؛ من أجل أن تحصن نفسك من الجن، ولكي تتحسن حالتك. فكأن نظرته لطاعة الله سبحانه وتعالى وطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام ليست مبنية على أنه يجب عليه كمسلم أن يغير أسلوب حياته كله، وأن يلتزم بدين الله كله ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة:208] بل كأن هذه حالة مؤقتة من الالتزام مرتبطة بالشفاء من المرض. حكى لي أخ: أن رجلاً من هؤلاء الناس قالوا له: عندك صور في البيت؟ قال: نعم، قالوا: وموسيقى وتلفزيون؟ قال: نعم، قالوا: والنساء متبرجات؟ قال: نعم! فانتهى الأمر بالاتفاق معه على التخلص من هذه الأشياء لكي يُشفى هو أو زوجته من المرض، فتخلص منها، وطال عليه الأمر، ثم تحسنت الحالة، فإذا به يعود لهذه الأشياء مرة ثانية، فعادوا بالمريض للأخ المعالج، فقال له: أنت عدت إلى الصور وكذا وكذا؟ قال: نعم، فقال: لا يوجد علاج إلا أنك تترك هذه الأشياء، وهذا المدخل جعل الالتزام بأنه علاج حالة، وهذا مدخل غير صحيح، وأما المدخل الصحيح فهو أن يكون الالتزام هو الأصل، وطاعة لله سبحانه وتعالى هي الأساس، وحتى لو قدر مرض فهو بلاء على المسلم، وينبغي أن يصبر عليه، وليس مجرد الالتزام عبارة عن آلة نستعملها مؤقتاً ثم نخلعها بعد ذلك إذا شُفيت الحالة! وقد يكون المريض موهوماً، يتملكه التأكد من أنه مصروع وهو ليس كذلك، فما أن يُقرأ عليه القرآن إلا ويتأكد أنه فعلاً مصاب بالمس، وهو يحفظ الحوار؛ لأنه سمع الكثير من هذه الحوارات في الأشرطة وفي غير الأشرطة، فأول ما يقرأ عليه القارئ إلا وهو يتخيل السؤال: ما اسمك؟ فيجيب: أنا جرجر! وهكذا يمثل الحوار، ويجيب على أسئلة المعالج، ويعيش الدور فعلاً بمنتهى الصدق، وبمنتهى الإتقان، مع أنه ليس فيه مس ولا شيء من هذا، وإنما لكثرة سماعه وتخيله، كما سندلل على ذلك إن شاء الله. ......

خطورة التعمق والاسترسال في علاج الصرع والمس

لم أكن أود أن ننشغل بهذا الموضوع، لكن يبدو أننا محتاجون لوقت أكثر مع المعالجين وليس مع الجن! كثير من الناس يهابون التحدث في هذا الموضوع، وكثير من المعالجين يتحصنون وراء كلمة: (العلاج بالقرآن الكريم)، وإذا انتقدتهم قالوا: إذاً أنت تنكر أن القرآن شفاء! وهذا نوع من الإرهاب والتخويف الذي يغطون به جرائمهم، ويقولون: أنت تنكر المس، وأهل السنة والجماعة يقرّون به، وتنكر السحر وهو مذكور في القرآن، وهذا كله مما يتحصنون وراءه لكي يستبيحوا ما يفعلونه من هذه المخالفات. وإذا تجردنا من كثير من الضغوط التي تفرض علينا في هذه القضية، سنجد أن الجن عالم يكتنفه الغموض من كل جوانبه، ولا نستطيع أن نستوضح كل شيء إن نحن فتحنا هذا المجال؛ لأن الله سبحانه لم يخبرنا عن كل شيء في حياة الجن حتى نخرج من عالم الإنس إلى عالم الجن، وماذا يأكلون ويشربون ويلبسون! فنحن بشر، وعلينا أن نتعامل كبشر، وأن نتفاعل مع الأحداث التي تمر بنا من مرض أو غيره حسب ما خوّلنا الله، ونتعامل مع المرض تعاملاً طبيعياً جداً، فالذي يمرض عليه أن يذهب للطبيب الأخصائي ويتعالج، وهو بذلك متوكل على الله سبحانه وتعالى، ويأخذ بالأسباب التي ندبنا إليها الشرع، أما أن نفتح باب الجن فهذه متاهات؛ لأن للجن عالم مجهول.. مجهول.. مجهول، وعالم غامض.. غامض.. غامض ليس له حدود، والإنسان إذا دخل فيه فإنه يضيع في متاهات ودروب ومسالك لا أول لها ولا آخر، بل عبارة عن حلقة مفرغة فقط. حتى أن واحداً من أشهر معالجي الجن، وهو الشيخ العمري -سامحه الله- بعد ما دوّخ الدنيا كلها ونشر موضوع الجن وأشاعه وشجعه، وكان يحكي أشياء عن الجن، ومع ذلك ها هو الآن يأتي ويقول: كل هذا وهم ليس له حقيقة! آلآن بعد ما أذيع وأشيع وروج هذا الضلال المبين يعالج بالضد من ذلك؟! فهذا الموضوع كله مثل الدخان، كأنه حيرة وغموض وضباب وعدم وضوح، فهو فن لا تضبطه ضوابط نقلية محدودة وحازمة، والذين يكثرون الكلام في هذا المجال إنما يلتقطون أشياء من هنا وهناك، ويقولون: وجدنا كذا في الكتب والمراجع القديمة، وهي أشياء عجيبة غريبة، أو أشياء قالها علماء أفاضل، لكن كانت من باب الاجتهاد، ولا تقوم على دليل، فلماذا لا نرفضها؟! ولماذا ندس أنفسنا في كل هذه الأشياء وهي مما لم يقم عليه دليل بعد؟! ولاسيما السلفيين، أين السلفية؟! أليست السلفية: اتباع كل شيء بالدليل؟! أليست السلفية تمحيص أقوال العلماء ورفض ما لم يقم عليه دليل؟! إذاً لماذا كثر هذا الأمر فينا ونحن كنا أولى الناس بالتنزه عن الغوص في هذا الوحل؟! متاهات يهيم فيها الناس وراء من لا يعرفون من هم ولا كيف هم، أعراض غير محددة.. أعراض لمرض غير حاسمة.. أعراض تكتنفها الاحتمالات.. علاجات مخترعة بنفس الجو غير معروفة وغير محددة، وليس لها أول ولا آخر. وأما من يضرب المصروع، نقول له: من أين لك أنه صرعه جني؟ وما هو الدليل على أن هذا مصروع بالجن؟ وما هو الضمان قبل الشروع في الضرب أن هذا الضرب سوف يقع على الجني لا الإنسي؟ أين الضمان أنك لن تظلم هذا المريض المسكين؟! وقد حصل في كثير من الحالات أن يخطئ هذا المعالج وينهال بضرب فظيع جداً على جسد المريض، وهو معتقد أنه يقع على الجني -كما قرأ في الكتب- ولا يقع على المريض، فيفاجأ بأن الجني غير موجود أو أنه قد هرب، ووقع الضرب على المريض، وأما كلام العلماء الذين قالوا هذا فكلامهم على العين والرأس، لكن أين الدليل عليه؟ وأين الضمان أنك حين تضرب هذا الشخص فإنك تضرب الجني الظالم ولا يقع الضرب على هذا الإنسان المظلوم؟! هل تعذيب الناس والعدوان على أبدانهم بهذه الطريقة مباح لكل أحد؟! هل إزهاق أرواحهم كما يحصل كثيراًَ أمر متروك هكذا؟! وهل يعفى عن المعالجين أن يفعلوا ما يشاءون؟! أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36]. وهل تُرك الأمر سبهللاً دون ضوابط أو حدود؟ أين الضمان؟ نريد دليلاً يضمن لنا أن الضرب سيقع على الجني وليس على الإنسي؟ كثير من الحالات التي يزعم هؤلاء المتفوقون في علاج الجن أنهم يصيبون فيها إذا هم يخطئون فيها، وبالفعل يقع الضرب على الإنسي، ويصل أحياناً إلى إزهاق الروح بحسن نية هؤلاء القاصرين!......
الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم