المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سلفى | شخصيات | بقية حضارة الإسلام.. أبو فهر محمود محمد شاكر..... #salafy $كتب-...


S.N.N
02-14-2012, 05:23 PM
?سلفى | شخصيات | بقية حضارة الإسلام.. أبو فهر محمود محمد شاكر..... #SALAFY $
كتب- فارس الصغير:

أسدُ العربية ورائدها، ظل رابضًا مرابطًا على بوابة علومها وآدابها، يدفع بزئير صوته ويمزّق بمخالب حروفه كلّ الدعاوي الباطلة للمتربّصين بها... ثم هو دليلها النابه، الآخذ بيد طلاب العلم والمريدين وجماهير المتلقّين إلى شواهد جمالها وشواهق إبداعاتها وشُمِّ صروحِها..
هو الأستاذ العملاق الشاعر الأديب العلامة المجدّد المحقّق، شيخ العربية والتحقيق، الساخر الثائر، أبو فهر "محمود محمد شاكر" - رحمه الله-، يختلط اسمه عند كثيرين من القراء والمثقفين باسم المؤرخ السوري "محمود شاكر الحرستي" - نسبةً إلى حرستا بالشام- صاحب "التاريخ الإسلامي"، والذي ينزع عن اسمه لقبه "الحرستي".
ولد في الإسكندرية في ليلة العاشر من محرم سنة 1327 هـ / 1 فبراير سنة 1909 م، وانتقل إلى القاهرة في نفس العام مع والده إذ تم تعيين والده وكيلا للجامع الأزهر، وكان قبل ذلك شيخا لعلماء الأسكندرية.

نشأته
نشأ الشيخ محمود شاكر في بيئة متدينة، وتلقّى تعليمًا مدنيًا، وكان يقضي أوقاتا كثيرة في الجامع الأزهر يسمع من الشعر وهو لا يدري ما الشعر!! و حفظ ديوان المتنبي كاملا في تلك الفترة. وفي سنة 1921 دخل المدرسة الخديوية الثانوية ليلتحق بالقسم العلمي ويتعلق بدراسة الرياضيات. ورغم حبه للرياضيات، وإجادته للإنجليزية ـ التحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية لما شعر به من أهمية "الكلمة" في تاريخ أمته قديما، فلا بد أن يكون لها الدور الأكبر في مستقبلها. ودخلها سنة 1926بوساطة من طه حسين لدى أحمد لطفي السيد رئيس الجامعة المصرية آنذاك.
وفي الجامعة استمع شاكر لمحاضرات طه حسين عن الشعر الجاهلي وهى التي عرفت بكتاب "في الشعر الجاهلي"، فوجدها سطوًا على أفكار المستشرق الإنجليزي مرجليوث. وبعد كتمانٍ من شاكر ومعاناة قرّر أن يرد على طه حسين في صراحة وبغير مداراة.. وترتّب على ذلك تركه للجامعة في السنة الثانية لأنه لم يعد يثق بها، ولم تفلح محاولات أساتذته وأهله في إقناعه بالرجوع، وسافر إلى الحجاز سنة 1928 مهاجرا، وأنشأ هناك ـ بناء على طلب الملك عبد العزيز آل سعود ـ مدرسة جدة السعودية الابتدائية عمل مديرا لها، حتى استدعاه والده الشيخ فعاد إلى القاهرة سنة 1929.
وبعد عودته من الحجاز اندمج في الوسط الأدبي، وخالط أدباء وشعراء ذلك الجيل ابتداءً من أمير الشعراء أحمد شوقي الذي كان يلازمه أيامًا وليالي طويلة، إلى أبناء جيله يحيى حقي ومحمود حسن اسماعيل وصديقه العقاد وزكي نجيب محمود وغيرهم كثير.. وتفرّغ للكتابة في الصحافة والمجلات الأدبية مثل: الرسالة والثقافة والمقتطف والبلاغ والزمان... ولم تصرفه المقالات المتتابعة عن مواصلة العمل في جانبٍ من أهم جوانب حياته، وهو نشر وطبع التراث بتحقيقٍ على وفق منهجٍ مستقلٍ عُرِفَ عنه، وتلقّاه العلماء بتقديرٍ كبيرٍ، وهو منهج "التذوّق".

قصته مع التذوّق
بينما كان محمود شاكر شاباً من أسرةٍ كريمةٍ في رغد العيش، ترفع عنه مطالب الحياة وشقوتها، يستطيع أن يحيا غرًا هائمًا سابحًا في سماوات الفكر واللهو الصافي مع صحبته... نراه بدلاً منذ لك يزُجُّ بنفسه في معتركاتٍ مهلِكةٍ، اعتقد بتلقائية ما صادفه في حياته أن يوجِبَها على نفسِه.
وبين الآلاف من كتب أجداده، من تفسير لكتاب الله، إلى علوم القرآن، إلى دواوين الحديث، إلى ما تفرع منها من كتب مصطلح الحديث والجرح والتعديل وغيرها من كتب أصول الفقه وأصول الدين، وكتب الملل والنحل، ثم كتب البلاغة والنحو والتاريخ، ومن الأقدم للأقدم. ومن سنةٍ لأخرى، نسيّ نفسَه وزهرة عمره وسعادته وثرثرته، وبكل قوةٍ وصلابة، واصل المسيرة حتى جاء منهجه بعد عشر سنوات كعملٍ خارقٍ، برغم تكاثر الشواغل الاجتماعية والسياسية التي تُلهي العابد عن عبادته. فيقول: "وشيئا فشيئا انفتح لي الباب على مصراعيه. فرأيت عجبا من العجب، وعثرت يومئذ على فيض غزير من مساجلات صامتة خفية كالهمس، ومساجلات ناطقة جهيرة الصوت، غير أن جميعها إبانة صادقة عن الأنفس والعقول".. وكانت هذه ملامح طريقٍ لاحبٍ مستتبٍ لمنهجه في التذوق. وتجلّى منهجه هذا في كتابه "المتنبي" الذي أنجزه في فترة زمنية قصيرة على نحو غير مسبوق ونشرته مجلة المقتطف في عددها الصادر في السادس من شوال 1354 هـ الأول من يناير 1936م، واهتدى فيه من خلال تذوقه لشعر المتنبي إلى أمور لم يُسبَق إليها، فقال فيه بعلوية المتنبي وأنه ليس ولد أحد السقائين بالكوفة كما قيل، بل كان علويا نشأ بالكوفة وتعلم مع الأشراف في مكاتب العلم، وقال بأن المتنبي كان يحب خولة أخت سيف الدين الحمداني واستشهد على ذلك من شعر المتنبي نفسه، وتم استقبال الكتاب بترحاب واهتمامٍ شديدين.
وعلى إثر ذلك، خاض معركتين ضخمتين أولاهما مع طه حسين والأخرى مع لويس عوض؛ بسبب شاعرين كبيرين من شعراء العربية هما: المتنبي والمعري.

شاكر الإنسان..
كان زواج محمود شاكر عنوان الحب كله في حياته، وهو حظه السعيد الذي واتاه بإنسانة نقية تقية دمثة الخلق، خَبِرَها عن قربٍ كل القرب، وتفهّمته ورَعَته وتحمّلته؛ إنسانةٌ قلبت موازينه رأسًا على عقب، ونسفت جدران حصن الشكّ الذي بناه وعلاه في قصائده الشعرية الثائرة، ليقبع فيه بعيدًا عن المرأة.
يقول عنه تلميذه محمود الطناحي - رحمه الله- : "وأشهدُ أنني ما رأيتُ مثلَه في صفاءِ نفسٍ ونقاء قلبٍ. تراه في حالِ غضبِه ثائرًا فائرًا كسماءٍ مُرعدةٍ مُبرِقةٍ.. فإذا ألِقَت سماؤه بأوراقها عادت كنسمةٍ هادئةٍ في إثر ماءٍ طهور، وإذا الذي بينه وبينه عداوة كانه وليٌّ حميمٌ".
فيما كان بيته ندوةً متصلة لا تنفضّ.. يرتادها أعلام مصريون كـ"يحيى حقّي وعبد الرحمن بدوي وحسين ذو الفقار صبري وعبد الرحمن صدقي وعلي أدهم ومحمود حسن اسماعيل وعلي أحمد باكثير.. ومحمود رشاد مهنا والشيخ أحمد حسن الباقوري ومحمد فؤاد جلال"، وأعلام عرب كـ" أحمد المانع وناصر الدين الأسد وأحمد راتب النفاخ وإحسان عباس وشاكر الفحّام وإحسان النص ومحمد يوسف نجم وإبراهيم شبوح وإسماعيل الأكوع ومحمد بن شريفة وعبد السلام الهراس والحبيب اللمسي وعبد الله الغنيم".. إلى جانب كثير من الطلبة والمعيدين.

الهوية عند شاكر..
تقوم الهوية عند الشيخ شاكر على "الثقافة" التي هي سرٌّ ملثّمٌ من أسرار كل أمّةٍ من الأمم، وهي في أصلها معارف كثيرة لا تُحصى، يؤمن بها المجتمع ويعمل بها ولها، وينتمي إليها بعقله وقلبه وكيانه، ويحفظها بما يحفظه من التفكّك والانهيار. وجوهر هذه الثقافة "اللغة"، ولكل ثقافةٍ أسلوبها الخاص في التفكير والنظر والاستدلال، منتزعٌ من الدين الذي تدين به لا محالة.. والدين في رؤيته يتداخل مع اللغة تداخلاً لا يقبل الفصل البتّة.
ثم هناك الأصل الأخلاقيّ المتغلغل والمتشعّب داخل هذه المنظومة، بما يحفظها ويحفظ أهلها من مكر الماكر وعبث العابث واحتيال المحتال.

رؤيته للسلفية..
وتعتبر رؤية الشيخ شاكر لـ"السلفية"، كمنهجٍ وانتماء، امتدادًا لما سبق. فهو يؤكّد أنه لا معنى للانتساب إلى طريق "السلف"، إلا بأن يتملّك السلفيّ ناصية "اللغة" وآدابها تملّكًا يمكّنه من الاستمداد المباشر من القرآن والسنة، على نفس النهج الذي كان السلف يستمدّون به من القرآن والسنة في آدابهم وأخلاقهم وثقافتهم وفقههم وعلمهم وتفكيرهم، وفي سائر ما يكون به الإنسان حيًا رشيدًا قادرًا على بناء الحضارة.
ولأجل رؤيته هذه خاض الشيخ معاركه ضد الدعوات المشبوهة والغافلة إلى "العاميّة"، وكذلك دفاعه عن المنهج السلفي بحكم الانتماء الحضاري المترسّخ لديه. منبّهًا على أن التيارات المتطرفة تصدُرُ كلُّها عن ينبوع واحد، هو "الانفعال الشعوري" أكثر من الدرس الصحيح، وأن امتلاك أدوات التفكير والمعرفة ينبغي أن يكون سابقًا على تكوين الرأي أو التعصّب.

رؤيته للتجديد والمجدّدين..
التجديد - على حقيقته عند الشيخ شاكر- لا يأتي إلا من "متمكن النشأة" في ثقافته وفي لسانه ولغته، متذوقٍ لما هو ناشئ فيه من آداب وفنون وتاريخ، مغروسٍ في تاريخها وعقائدها في زمن قوتها وضعفها ومع المنحدر إليه من خيرها وشرّها. وللتجديد بيئة لابد من توافرها، بوجوده داخل ثقافة متكاملةٍ متماسكة حية تتحرّك حركة دائبة في نفوس أهلها. ويتمّ التجديد من خلال حوار ذكيٍ بين التفاصيل الكثيرة المتشابكة المعقّدة التي تنطوي عليها هذه الثقافة، وبين رؤية جديدة نافذة، حين يلوح لـ"المجدّد" طريقٌ آخر يمكن سلوكه، من خلاله يستطيع أن يقطع تشابكًا من ناحية؛ ليصله من ناحية أخرى وصلاً يجعله أكثر استقامةً ووضوحًا، وأن يحلّ عقدةً من طرفها ليربطها من طرفٍ آخر ربطًا يزيدها قوةً ومتانةً وسلاسة.

تكريم الدولة له..
حصل الشيخ على جائزة الدولة التقديرية من مصر عام 1982م، ثم جائزة الجدارة أيضًا عن كل جهوده في نفس العام.. ثم حاز على جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي عام 1984م عن كتاب "المتنبي"، وفي عام 1989 حَازَ وسامَ العلوم والفنون من الطبقة الأولى عن أعماله التي خدمت القرآن الكريم والسنة النبوية.

آثــاره..
في مساء الخميس 3 ربيع الآخر 1418 هـ - 7 أغسطس 1997م، توفي العملاق محمود محمد شاكر، تاركًا لنا ميراثًا من المؤلفات والتحقيقات. ومن أشهر مؤلفاته: المتنبي ـ القوس العذراء ـ أباطيل وأسمار ـ برنامج طبقات فحول الشعراء ـ نمط صعب ونمط مخيف ـ قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام ـ رسالة في الطريق إلى ثقافتنا.
ومن أشهر تحقيقاته: تفسير الطبري - فضل العطاء على العسر لأبي هلال العسكري ـ إمتاع الأسماع بما للرسول من الأبناء والأموال والحفدة والمتاع لتقي الدين المقريزي - المكافأة وحسن العقبى لأحمد بن يوسف بن الداية الكاتب ـ طبقات فحول الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي ـ جمهرة نسب قريش وأخبارها للزبير بن بكار – دلائل الإعجاز - أسرار البلاغة كلاهما لعبد القاهر الجرجاني.
ومما كُتِب عن الشيخ للاستزادة: رسالتي ماجستير بعنوان "أبو فهر، محمود محمد شاكر بين الدرس الأدبي والتحقيق" للباحث بكلية دار العلوم محمود إبراهيم الرضواني، ورسالة "محمود محمد شاكر، الرجل والمنهج" للباحث عمر حسن القيّام، و"محمود محمد شاكر - قصة قلم" لـ عايدة الشريف، و" محمود محمد شاكر ومنهجه في تحقيق التراث" و "مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي"، كليهما لـمحمود محمد الطناحي، ومجلة الأدب الإسلامي –العدد 16، وهو عدد خاص بالحديث عن الشيخ –.

ميراثًا وأدبًا وحنانًا..
إن أبلغ ما يحسّه كل متعلّمٍ من الشيخ شاكرٍ أو مُرتَوٍ من كتبه، هو ما قاله تلميذه الطناحي: "إن أحقّ ما يُقال هنا وفي كل مكان: أن محمود شاكر ينبغي أن يكون ميراثًا نتوارثه، وأدبًا نتدارسه، وحنانًا نأوي إليه". رحم الله محمود شاكر رحمةً واسعةً.?

http://photos-c.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/420052_363660550324367_208614759162281_1350226_201 6523490_s.jpg (http://www.facebook.com/photo.php?fbid=363660550324367&set=a.208634749160282.54543.208614759162281&type=1)