المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قبح مقولة إن الله يعطي القرط لمن ليس له أذنان واللقمة لمن ليس له أسنان


المشتاقة للجنة
02-15-2012, 04:35 PM
http://montada.khaledbelal.net/mwaextraedit4/extra/81.gif
قبح مقولة (إن الله يعطي القرط لمن ليس له أذنان واللقمة لمن ليس له أسنان)
السؤال
ما رأيكم فيمن يقول: إن الله يعطي الحلق ـ زينة تضعها النساء في الأذنين ـ لمن ليس له أذنان، أو يقول يعطي اللقمة لمن ليس له أسنان ـ أليس هذا افتراء على الله سبحانه وتعالى وهو قيوم السماوات والأرض ومن فيهن وهو الرزاق؟ وما حكم من قالها؟.



الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهاتان عبارتان قبيحتان منكرتان غاية النكارة، في ضمنهما نفي حكمة الرب تعالى والاعتراض على قسمه واتهامه سبحانه وبحمده في قدره بأنه جار على خلاف ما تقتضيه المصلحة، وهذا من ظن السوء بالله تعالى وهو ظن الجاهلية، وقد وصف الله المنافقين بأنهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، ومما فسر به هذا الظن إنكار حكمة الله تعالى واعتقاد أنه يفعل خلاف موجبها، وقد نقل شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ من كلام ابن القيم على هذه الآية قوله: وإنما كان هذا ظن السوء، لأنه ظن غير ما يليق به سبحانه، وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق، فمن ظن أن ما جرى لم يكن بقضائه وقدره، أو أنكر أن يكون قدره بحكمة بالغة يستحق عليها الحمد، بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة، فذلك ظن الذين كفروا: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ـ وأكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه وصفاته، وموجب حكمته وحمده، ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تعتبا على القدر وملامة له، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك: هل أنت سالم؟ فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة... وإلا فإني لا إخالك ناجيا. انتهى بتصرف يسير.


فالواجب على كل مسلم أن يعتقد أن الله تعالى لا يفعل شيئا إلا لحكمة، وأنه تعالى يضع الأشياء في مواضعها ويوقعها في مواقعها، فخفضه ورفعه وعطاؤه ومنعه وجميع أفعاله لا تخلو عن حكمة بالغة، وقد تعجز العقول لقصورها عن إدراك سر حكمته سبحانه فعليها أن تذعن وتترك الاعتراض، يقول ابن القيم ـ رحمه الله: فَلْيَعْتَنِ اللَّبِيبُ النَّاصِحُ لِنَفْسِهِ بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَلْيَتُبْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلِيَسْتَغْفِرْهُ كُلَّ وَقْتٍ مِنْ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَلْيَظُنَّ السَّوءَ بِنَفْسِهِ الَّتِي هِي مَأْوَى كُلَّ سُوءٍ، وَمَنْبَعُ كُلَّ شَرٍّ الْمُرَكَّبَةِ عَلَى الْجَهْلِ وَالظُّلْمِ، فَهِيَ أَوْلَى بِظَنِّ السَّوءِ مِنْ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَأَعْدَلِ الْعَادِلِينَ وَأَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ، الْغَنِيِّ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ الْغِنَى التَّامُّ وَالْحَمْدُ التَّامُّ وَالْحِكْمَةُ التَّامُّةُ، الْمُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ سَوْءٍ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ، فَذَاتُهُ لَهَا الْكَمَالُ الْمُطْلَقُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَصِفَاتُهُ كَذَلِكَ، وَأَفْعَالُهُ كَذَلِكَ، كُلُّهَا حِكْمَةٌ وَمَصْلَحَةٌ وَرَحْمَةٌ وَعَدْلٌ، وَأَسْمَاؤُهُ كُلُّهَا حُسْنَى. انتهى.


فعلى قائل هذه العبارات وأمثالها مما يشتمل على اعتراض على القدر أن يبادر بالتوبة النصوح إلى ربه فقد أتى منكرا عظيما وهو على خطر عظيم إن لم يتب من سوء ظنه بربه تعالى واتهامه في حكمته، يقول الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله: النوع الثاني: وهو أن يظن بالله سوء، مثل أن يظن في فعله سفها أو ظلما أو نحو ذلك، فإنه من أعظم المحرمات وأقبح الذنوب، كما ظن هؤلاء المنافقون وغيرهم ممن يظن بالله غير الحق. انتهى.


وقائل هذا إن كان ينفي الحكمة عن الله تعالى فهو مكذب للقرآن ومعلوم حكم مكذب القرآن عند أهل العلم، قال الشيخ صالح بن فوزان: وإنكار الحكمة: كفرٌ وضلال، لأنّ الله وصف نفسَه بالحكمة، وسمّى نفسَه بالحكيم: حَكِيمٍ خَبِيرٍ، حَكِيمٍ عَلِيمٍ ـ في كثيرٍ من الآيات، والحكمة: وضعُ الشيء في موضعه، فمن أنكر حكمة الله فإنّه يكفر بذلك، بخلاف من أثبتها وأوّلها فإنّه يُعتبر ضالاً في هذا التأويل، لأنّ الله جل وعلا حكيم لا يفعل شيئاً إلاّ لحكمة عظيمة، قد تظهر لنا وقد لا تظهر، والله جل وعلا لا يفعل شيئاً عبثاً، ولا يفعل شيئاً لمجرّد المشيئة من غير حكمة، إنّما يفعل الأفعال لحكمة وغايةٍ عظيمة، كلُّ أفعاله سبحانه وتعالى معلَّلة وكلُّها لحكمة، وليس من لازم ذلك: أن تظهر لنا الحكمة أو يظهر لنا التعليل، لكنّنا نقطع ونؤمن ونتيقّن أنّ أفعال الله جل وعلا ليس فيها عبث. انتهى.
فأمر هذه العبارات ونحوها خطير جدا ويخشى على قائلها خشية عظيمة إن هو لم يتب إلى الله تعالى.


والله أعلم.