المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عمير بن سعد القارئ والجلاس بن سويد


Nermeen
03-06-2011, 07:10 AM
كان عمير بن سعد القارئ عَمِلَ واليًا على حمص، التي كانت تُدْعَى الكويفة الصُّغرى على عهد عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وكان والده سعد القارئ كان أحدَ الأربعة الذين جمعوا القرآنَ على عهد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - واستشهد والده في معركة القادسيَّة عام خمسة عشر أو ستة عشر للهجرة, ولعمير بن سعد هذا الصحابي الجليل كانت قصة مُثيرة، فقد ترك أبوه أمَّه، وتزوجت بعده رجلاً يُدعى الجلاس بن سويد، وعاش عمير مع أمه في كنف الجلاس ورعايته، وقد أحسن الرجل إليه، فكانت علاقته مع عمير علاقةً مميزة، فقد كان الجلاس يدنيه منه ويقرِّبه، ويُعطيه كل ما يريد، ولم يبخلْ عليه بشيء، رغب فيه، وأحَبَّه حُبَّه لأبنائه بل أكثر، وعامله معاملةَ الوالد للولد.


وفي يوم من الأيام وقد شبَّ عمير في منزل الجلاس، سَمِع زوجَ أمِّه يقول عبارة أزعجته أيَّما إزعاج، وجعلته على محكِّ الاختبار الحقيقي الذي تعرَّض له هذا الشاب المؤمن، فماذا سمع يا من ترى؟ وماذا كان الجواب؟ وهل تأخَّر بالإجابة؟ وهل اكتفى بالجواب؟



سمع الجلاس يقول في غزوة تبوك: لَإِنْ كان حقًّا ما يقول محمد، فإنَّنا شرٌّ من الحمير.



ما تردَّد الفتى عمير لحظةً وعلى الفور قال: إنَّ ما يقوله النبي حقٌّ، وأنت شرٌّ من الحمير، والله، إنِّي لأخشى إنْ كتمتها عن النبي أنْ ينزل القرآن، وأن أُخلط بخطيئته، لنعم الأبُ هو لي.



ترك عمير زوجَ أمه الجلاس، وتوجه مباشرة إلى النبي محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهو لم يستطع أن يصمت ويَطوي في صدره ما سمع.



وعلى الفور مباشرة تصرَّف عمير كرجل قويٍّ لا يَخشى في الله لَوْمة لائم، توجَّه إلى زوج أمِّه قائلاً: والله يا جلاس، إنك لمن أحبِّ الناس إليَّ وأفضلهم عندي برًّا، وأعزهم عندي على أنْ يُصيبه شيء أكرهه، ولكنك الآن قلت مقالة لو أذعتها عنك، لآذتك، وإن صمتُّ عليها، هلكت في ديني، واللهُ والدين أحقُّ بالولاء والوفاء، وإني والله لمبلغ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بما قلت.



هال عمير ما سمع من زوج أمِّه، وضاقت عليه الأرض، وعاش مِحنةً من القلق كادت تعصفُ به، وكيف يصمت، والوفاء والولاء لا يكون أولاً وأخيرًا إلاَّ لله ورسوله؟! الولاء للنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا يكون لغيره، فولاؤه مقدَّم على ولاء مَن سواه.



ارتقى الفتى بفكره ونفسه وأدَّى ما عليه، فكشف عن نفاقٍ مُريب، وأدَّى أمانة المجلس، لم يعتذر الجلاس، ولم يتراجع عن مقالته بعدما سمع تهديدَ عمير بإخبار الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يأسف لعمير، ولم يعتذر، وأخذته العزَّة بالإثم، وكيف يأسف ويعتذر لصغيرٍ نشأ في حجره؟! وحلف ليتوقَّفنَّ عن الإنفاق على عمير، غادره عمير إلى رسول الله وهو يقول: لأبلِّغنَّ رسول الله قبل أن ينزل وحيٌ يشركني في إثمك.



سيدي يا رسول الله، لقد سمعت الجلاس يقول كذا وكذا، وذكر ما سمعه للنبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل النبيُّ في طلب الجلاس، سأله عن مقالة عمير، وعن الكلام الذي قاله، فأنكر وبدأ يحلف الأيمان الكاذبة، لكنَّ الخبر بتصديق عمير وتصديق روايته عن الجلاس لم يكن دعمًا من بشرٍ سَمعه، بل جاءه من السماء، فأوحى الله إلى نبيه - صلَّى الله عليه وسلَّم.



جاء القول الفصلُ من السماء آيةً صريحة: ﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ [التوبة: 74].



اعترف الجلاسُ بذنبه واستغفرَ، فكانت الحادثةُ خيرًا له، وكان تصرُّف عمير بركةً على الجلاس، فقد تاب الرجل وحَسُن إسلامُه، وعاد عن يَمينه بعدم الإنفاق على عمير، وعادت الأمور إلى أفضل ما كانت عليه قبل هذه القصة.



في القصة تميُّزٌ لشابٍّ ارتقى فوق القرابة بسلوكٍ نادر، وفي القصة أنَّ الولاء لله ولرسوله يجب أن يُقدَّم على ما سواه، وفي القصة مثلٌ وأنموذج للنشْء وللشباب المسلم، وفي القصة الكثير والكثير مما لم ندركه بقول وتحليل، فيها قصة للصِّراع في النفس بين الحق والباطل، بين الحق والهوى، بين الدُّنيا والآخرة، وفيها تغليبٌ لحق الله وحق رسوله على ما سواهما، قصة ترسم القراءة للشباب الطامح لِأَنْ يسير في دروب الفلاح مستنكرًا محدثاتِ الأمور، وفي زمنٍ كَثُرت فيه الفتن والبدع.










الألوكة

ابو تسنيم
03-08-2011, 11:13 PM
اين نحن من هؤلاء
جزاكِ الله خيراً

المشتاقة للجنة
05-26-2011, 07:07 PM
السلام عليكم ورحمة الله
ايه اين هؤلاء الشباب
بارك الرحمن بك