المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آثار الذنوب والمعاصي لفضيلة الشيخ ابو اسراء درس مفرغ


المشتاقة للجنة
03-23-2011, 08:05 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الدرس مفرغ بواسطة الشيخ ابو اسراء



خطبة آثار الذنوب و المعاصي


جامع الغفران حي الجمهورية

أما بعد:
أيها المؤمنون حدثتكم في الخطبة الفارطة بما أخرجه ابن ماجة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=264&ftp=alam&id=1000294&spid=264) من حديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=264&ftp=alam&id=1000014&spid=264) بسند حسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ليأتين أقوام يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة يجعلها الله هباءً منثوراً. فقلنا: يا رسول الله! أمسلمون هم؟ قال: مسلمون. قلنا: أيصلون؟ قال: يصلون ويحجون ويعتمرون, ولهم من الليل مثلما لكم, لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها } أمام الناس عباد وزهاد ونساك, ولكنهم إذا خلوا بأنفسهم فإنهم يعصون الله عز وجل و لا يبالون يرتكبون و المعاصي و لا يستحون من الله الذي ينظر إليهم و يعلم ما يصنعون و صدق من قال.

وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني

أيها الأحباب اعلموا أن الذنوب والمعاصي طريق التعاسة والشقاوة في الدنيا و الاخرة، فما تهدمت الشعوب ولا فسدت القلوب ولا خربت الأسر إلا من الذنوب، وما بخست الأرزاق ولا قست القلوب ولا جفت العيون إلا من الذنوب، وما غضب الجبار وما أقيمت النار وما نصب الصراط وكان هناك حساب وعقاب إلا مع الذنوب والمعاصي. و أوّل آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها الضيق والهم والحزن والغم والأسى واللوعة، يقول سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً[طه:124]، فنجد من سكن القصور الشاهقة وركب السيارات الفارهة وجلس على الموائد الشهية، ولكنه مصر على معصية الله، فلا يجد الراحة ولا السعادة ولا الطمأنينة بل يجد التعاسة والشقاوة لأنه عصى الله سبحانه وتعالى.ومن آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها حرمان الرزق، و قد يظن كثير من الناس أن الرزق مال فقط، كلا، فالمال رزق، و الصحة رزق، و حب الناس رزق، و الزوجة الصالحة رزق، و السعادة رزق، و القناعة رزق، و أعظم هذه الأرزاق طاعة الله عز وجل فإن فيها لذة لا يعلمها إلا أصحاب قيام اليل و أهل القرآن و الصوامين القوامين الذين يحافظون على صيام الاثنين و الخميسـ، يقول ابن عباس رضي الله عنهما وأرضاهما: (إن للحسنة بياضاً في الوجه ونوراً في القلب وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه وظلمة في القلب وضيقاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق).

و يقول الله سبحانه و تعالى وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجا ًوَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُوهذا عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الذي أسس دولته على الإيمان والتقوى فلم يُبْقِ في عهده فقيراً ولا مسكيناً ولا عزباً ولا رقيقاً، مات عمر بن عبد العزيز وخلّف بعده خمسة عشر ولداً، دخل عليه أصحابه يعودونه وهو في مرض الموت فقالوا له: ماذا تركت لأبنائك، قال: تركت لهم تقوى الله، إن كانوا أبراراً فالله يتولى الصالحين، وإن كانوا فجارً فلن أعينهم بمالي على الفجور. وأما الخليفة هشام بن عبد الملك فخلف لكل واحد من أبنائه مائة ألف دينار من الذهب، ولكنه ما خلف لهم طاعة الرحمن ومخافة الديان، فماذا كانت النتيجة بعد عشرين سنة، قال أهل التاريخ: أصبح أبناء عمر بن عبد العزيز يسرجون الخيول في سبيل الله منفقين متصدقين من كثرة أموالهم، وأما أبناء الخليفة هشام بن عبد الملك أصبحوا في عهد أبي جعفر المنصور يقفون في مسجد دار السلام ويمدون أيديهم ويقولون: من مال الله يا عباد الله، فهذا هو حرمان الرزق يا عباد الله. ومن آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها قسوة القلب أو موته، يقول سبحانه وتعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلانْهَـٰرُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَوإذا مات القلب ـ يا عباد الله ـ تبلد الإحساس فلا يشعر صاحبه بأي ذنب أو معصية.في صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت رسول الله يقول: ((تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه)).

يقول عبد الله بن المبارك:

رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانهـا


وترك الذنوب حياة القلوب وخيرٌ لنفسك عصيانهـا


ومن آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها: البغض في قلوب الخلق. والحب أيها الناس هبة من الله سبحانه يقسم كما تقسم الأرزاق من فوق سبع سموات، فالقبول من الله تعالى وحده.أخرج الإمام البخاري في صحيحه حديث رسول الله : ((إذا أحبّ الله العبد قال لجبريل: إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه، قال: فيحبونه، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله العبد قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه فيبغضه جبريل ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، قال: فيبغضه أهل السماء ثم يوضع له البغض في الأرض)).

الحب والقبول لا يكون إلا إذا استقام العبد على طريق الله سبحانه وتعالى.يقول أبو الدرداء: (لو أطاع طائع ربه وراء سبعة أبواب لأخرج له أثر طاعته على الناس، ولو عصى عاص ربه وراء سبعة أبواب لأخرج الله آثار معصيته للناس).قال ابن الجلاد: نظرت منظراً لا يحل لي فقال لي أحد الصالحين: أتنظر إلى الحرام، والله لتجدن غبه ولو بعد حين، قال: فنسيت القرآن بعد أربعين سنة. وكيع بن الجراح شيخ الإمام الشافعي عليه رحمه الله الذي كان يقول:


أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنـال بهم شفاعـة


وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سـواء في البضاعة


فيرد عليه الإمام أحمد ويقول له:

تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم قد تناولنا الشفاعة


يأتي الإمام الشافعي إلى شيخه وكيع ويقول له: يا إمام ما أحسن دواء للحفظ؟ قال: والله ما رأيت دواء للحفظ مثل ترك المعاصي، فأنشد الشافعي قائلاً:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي


وقال اعلـم بأن العـلم نـورٌ ونور الله لا يؤتى لعـاصي


ومن آثار الذنوب والمعاصي وعواقبها عدم استجابة الدعاء، وقد ذكر الرسول : ((الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يرفع يديه إلى السماء ويقول: يا رب، يا رب، يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)). كيف نرجو من الله عز وجل إجابة الدعاء ونحن ما زلنا مصرين على الكبائر من الذنوب، وكيف نرجو من الله عز وجل إجابة الدعاء ونحن متهاونين بالصلوات الخمس معرضين عن بيوت الله متنكبين عن مساجد الله، وكيف نرجو من الله عز وجل إجابة الدعاء ونحن نأكل أموال الناس بالباطل مصرين على أكل الربا وعلى التعامل بالربا وعلى أكل الرشوة، والرسول يقول: ((أطب مطعمك تستجب دعوتك)).

هذه بعض آثار الذنوب وعواقبها في الدنيا، وهي والله من أكبر أسباب تعاسة الإنسان وشقاوته في الدنيا والآخرة.أسأل الله سبحانه وتعالى أن يعصمنا وإياكم من الزلات وأن يوفقنا سبحانه إلى الطاعات.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على من بعثه الله جل وعلا هدى ورحمة للعالمين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وعلى آله الطيبين الطاهرين.عباد الله, اتقوا الله حق تقاته، واسعوا في مرضاته, وتدبروا القرآن الكريم, وتمسكوا بسنة خاتم النبيين, وتفقهوا في الدين, واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
أما بعد:

فإن على العبد أن لا ينظر إلى صغر المعصية والذنب، ولكن ينظر إلى عظمة من يعصي، إلى عظمة الخالق جل في علاه. والإصرار على الصغيرة يحولها إلى كبيرة كما قال العلماء، فلا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار، يقول سبحانه وتعالى: وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[المائدة:135]. ويقول عليه الصلاة والسلام: ((إن الشيطان يئس أن يعبد في جزيرة العرب، ولكن رضي منكم بما تحقرون من الذنوب)). فإياكم ـ يا عباد الله ـ ومحقرات الذنوب، فإنهن والله يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، فيكون من المفلسين. يقول عليه الصلاة والسلام: ((ما تعدون المفلس منكم؟ قالوا: من لا دينار له ولا درهم، فقال صلى الله عليه وسلم: المفلس من يأتي يوم القيامة بأعمال كالجبال من صلاة وصوم وصدقة، ويأتي وقد لطم هذا، وشتم هذا، ونال من عِرض هذا، وأخذ من مال هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته أُخذ من سيئاتهم ثم طرحت على سيئاته فطرح في النار)) ـ عياذاً بالله ـ.

ـ يا عباد الله ـ كما جاء في الحديث يرى ذنوبه كأنها جبل يريد أن يسقط عليه، وأما المنافق فيرى ذنوبه كأنها ذباب طار على أنفه فقال به هكذا. و أعظم آثار الذنوب وعواقبها ـ يا عباد الله ـ سوء الخاتمة التي طيشت قلوب المتقين وحيرت أفئدة العابدين، أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة. إذا عاش الإنسان على المعصية وداوم عليها وأصر عليها فإنه سوف يموت عليها ويبعث يوم القيامة عليها عياذاً بالله. فهذا مجنون ليلى لما انحرف عن منهج الله ومرض بالعشق والغرام مرض حتى مزّق ثيابه وبكى وبكى حتى بكى له الناس، ثم مزق ثيابه وأكل بعض جسمه ومات على هذه الحالة السيئة.وذكر أن الفضيل بن عياض عاد أحد تلامذته وهو في سكرات الموت فقال له: قل: لا إله إلا الله، فقال التلميذ: أنا بريء منها ومات على ذلك، فرآه الفضيل بن عياض بعد أربعين يوماً وهو يسحب به في نار جهنم فقال له: كيف ختمت لك هذه الخاتمة وقد كنت أعلم تلامذتي؟ قال: بثلاثة أشياء: أولها النميمة، وثانيها الحسد، وثالثها كان بي مرض فقال لي الطبيب اشرب الخمر فشربته.

وهذا شاب في عصرنا الحاضر يا عباد الله كان معرضاً عن ذكر الله وعن منهج الله إلى أن جاءه هادم اللذات، أتته سكرات الموت وهو في سيارته في حادث انقلاب، فجاء الناس إليه ولقنوه الشهادة وقالوا له: قل: لا إله إلا الله، فقال لهم: هل رأى الحب سكارى مثلنا.
هكذا ـ يا عباد الله ـ عاش على هذه الأغنية الماجنة ومات عليها.
فنسأل الله لنا ولكم وللمسلمين الستر والسلامة والعافية.

ابو تسنيم
03-23-2011, 11:15 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اللهم باعد بينا وبين الذنوب كما باعدت بين المشرق والمغرب
جزاكِ الله خيراً

المشتاقة للجنة
05-25-2011, 06:35 PM
اللهم آمين بارك الرحمن بكم ووفقكم