عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-03-2010, 12:28 AM
ابو تسنيم ابو تسنيم غير متواجد حالياً
مراقب عام
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 1,726
Icon350 ما الحكمة من كثرة بكاء الطفل؟؟؟؟

أَحْمَدُهُ عَلَى الرَخَاءِ وَالشَدَائِدِ وَأُقِرُّ بِتَوْحِيدِهِ إِقْرَارَ عَابِدِ، وَأُصَلِّي عَلىَ رَسُولِهِ الَّذِي كَانَ لاَ يُخَيَّبِ السَائِلٌ

القَاصِدْ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الطَيِبِينَ دَوِي الأَخْلاَقْ وَمَنْ تَبِعَهُمْ الخَلاَئِقْ.


وَبَعْدُ:

يخفى على الكثير من الناس أسرار بكاء الطفل سبحان الله

الحكمة من كثرة بكاء الطفل :4_12_12[1]:

ثم تامل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال وما لهم فيه من المنفعة , فإن الأطباء والطبائعيين شاهدوا ذلك وحكمته

وقالوا : في أدمغة الأطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدث أحداثا عظيمة , فالبكاء يسيّل ذلك ويحدره من ادمغتهم

فتقوى أدمغتهم وتصح.

وأيضا فإن البكاء والعياط يوسع عليه مجاري التنفس ويفتح العروق مصابها ويقوّي الأعصاب , وكم من منفعة

ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه , فإذا كانت هذه الحكمة في البكاء الذي سببه ورود الألم المؤذي وأنت لا

تعرفها ولا تكاد تخطر ببالك , وهكذا إيلام الأطفال فيه وفي أسبابه وعواقبه الحميدة من الحكم ما قد تخفى على أكثر

الناس واظطرب عليهم الكلام في حكمة اظطراب الأرشية وسلكوا في هذا الباب مسالك:

فقالت طائفة : ليس إلاّ محض المشيئة العارية من الحكمة والغاية المطلوبة وسدوا على أنفسهم هذا الباب جملةً , وكلما سُئِلٌوا عن شيء أجابوا بــ { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأبياء: 23] وهذا من أصدق الكلام , وليس المراد به نفي حكمته تعالى وعواقب أفعاله الحميدة وغايتها المطلوبة منها , وإنما المراد بالآية إفراده بالألوهية والربوبية ,

وإنه لكمال حكمته لا معقب لحكمه ولا يعترض عليه بالسؤال , لأنه لا يفعل شيء سدى ولا خلق شيء عبثا , وإنما يسأل عن فعله من خرج من الصواب ولم يكن في منفعة ولا فائدة. { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ* لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ* لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء 21-23] كيف ساق
الآية في الإنكار على من اتخذ من دونه آلهة لا تساويه فسواها به مع أعظم الفرق , فقوله (لا تسأل عما يفعل) إثبات
لحقيقة الإلهية والإفراد له بالربوبية والإلاهية.
وقوله { وَهُمْ يُسْأَلُونَ}في إصلاح تلك الآلهة المتخذة للإلهية , فإنها مسؤولية مربوبة مدبّرة فكيف يسوي بينها
وبينه مع أعظم الفرقان , فهذا الذي سيق له الكلام فجعلها الجبرية ملجئاً ومعقلاً في إنكار حكمته وتعليل أفعاله
بغاياتها المحمودة وعواقبها السديدة والله الموفق للصواب
وقالت طائفة : الحكمة في ابتلائهم توعويضهم في الآخرة الثواب التام , فقيل لهم : قد كان لكن إيصال الثواب لهم
بدون هذا الإيلام , فأجابوا : بأن توسط الإيلام في حكهم كتوسط التكاليف في حق المكلفين , فقيل لهم : فهذا يتنقص
عليكم بإيلام أطفال الكفار , فأجابوا : بأنا لا نقول بأنهم في الناركما قاله من قاله من الناس , والنار لا يدخلها أحد إلاّ
بذنب وهؤلاء لا ذب لهم , وكذا الكلام معهم في مسالة الأطفال والإحتجاج فيها من الجانبين بما ليس هذا موضعه
فأورد عليهم ما لا جواب لهم عنه وهو إيلام أطفالهم الذين قُدرّ بلزغهم وموتهم على الكفر , فإن هذا لا تعويض فيه
قطعا ولا هو عقوبة على الكفار فإن العقوبة لا تكون سلفاً وتعجيلا , فحاوروا في هذا الموضع واظطربت أصولهم
ولم يأتوا بما يقبله العقل.
وقالت الطائفة الثالثة : هذا السؤال لو تأمله مروده لعلم انه ساقط وإن تكلف الجواب عنه , إلزام ما لم يلزم الآلام
وتوابعها وأسبابها من لوازم النشأة الإنسانية التي لم يخلق منفكّا عنها , فهي كالخر والبرد والجوع , والعطش
والتعب والنصب , والالهم والغم والضعف والعجز , فالسؤال عن حكمة الحاجة إلى الأكل عند الجوع , والحاجة
إلى الشرب عند الضمأ , وإلى النوم والراحة عند التعب , فإن هذه الآلام من لوازم النشاة الإنسانية التي لا ينفك
عنها الإنسان ولا الحيوان فلو تجرد عنها لم يكن إنسانا بل كان ملكا او خلقا آخر , وليست آلام الأطفال بأصعب من
آلام البالغين , لكن لما صارت لهم عادة سهّل موقعها عندهم , وكم بين ما يقاسيه الطفل ويعانيه البالغ العاقل.

المصدر مفتاح دار السعادة للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى.


رد مع اقتباس