عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-18-2011, 03:25 AM
الصورة الرمزية أم عبد المنعم
أم عبد المنعم أم عبد المنعم غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 1,256
افتراضي

وكم من حروف تجر الحتوف..!
أرسلها لمن نشأ وتربى في حجر الأفاعي -أعني عدوه- فهو آلةٌ صماء في يد عدوه يديره كيفما يشاء، ويريده على ما شاء فيجده أطوع من بنانه، يحركه للفتنة فيتحرك، عقربٌ لا تلدغ إلا من يتحرك ولا غرابة:
من كان في جحر الأفاعي ناشئاً غلبت عليه طبيعة الثعبان
وكم من حروفٍ تجر الحتوف!
أهديها بلا ود؛ لمن يبنون الفروع على غير أصولها، فيبوءون بضياع الأصل والفرع معاً.
بل إلى من جعلوا الفرع سلماً للأصول، بل للوصول؛ على طريقة أبي دلامة حين حكمه الخليفة في جائزته، فاقترح كلب صيد، ثم طلب خادماً له، ثم جارية تطبخ الصيد، ثم داراً تؤوي الجميع، أكلاً للعنقود حبة فحبة مع لحافٍ وجبة:
فإنهم كقطيعٍ لا عقول لهم يكفي لإسكاتهم ماء وأعلاف
وكم من حروف تجر الحتوف!
اعرضها على من يريد بقلمه ولسانه أن يداوي علة الأمة بعلل، ويقتل جرثومةً فيها بزرع جراثيم، كطبيبٍ يجرب معلوماته في المرضى ليزيدهم مرضاً، ثم يعيش على أمراضهم التي مكَّن لها فيهم، فهو حاميها وحراميها، سرطانه دواء سلها
هو طالحٌ لا صالحٌ لكنهم غلطوا فلم يضعوا العصا في رأسه
وكم من حروفٍ تجر الحتوف!
أشير بها إلى حملة الأقلام المسمومة، والأفكار الكاسدة، مورثة الضغائن، موقظة الفتن، لقطاء الكتابة، لابسي جلود الضأن على قلوب الذئاب.
والذئب أخبث ما يكون إذا بدا متلبساً بين النعاج إهابا
الأدعياء الذين اقتحموا عريناً ظنوا أن قد نامت آساده لكأن القائل عناهم يوم قال:
لقيط في الكتابة يدعيها كدعوى الجعل في بغض السماد
فدع عنك الكتابة لست منها ولو لطخت وجهك بالمداد
وكم من حروف تجر الحتوف!
لا أعني بها أولئك الرعاع الذين اتخذوا دين الله هزواً ولعباً، وعلوم الشريعة هراءً ولغباً، ليس لهم في العلم إنعام، إن هم إلا كالأنعام!
لست أعني هؤلاء مباشرة وإن أشرت وأهديت ووجهت، ففيهم من انفصمت عنه الرابطة، فنحن منه برآء، ومنهم من لا يرعوون ولا يفهمون، فخطابهم لغوٌ وهراءٌ وبلاء:
ومن البلية نصح من لا يرعوي عن غيه وخطاب من لا يفهم
الله حسيبهم على ما اقترفوا ويقترفون؛ في يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.
إن المعنيّ بهذه الحروف أولاً وآخراً هم شيوخ الأمة العقلاء، وشبابها المستقيمون الفضلاء، الدم الجديد في حياتها.. أنا وأنت وأنتِ وهو وهي، وكل مسلمٍ على قدرٍ من دينٍ وخلقٍ وحياء، دفعني إليها الرغبة في صون هذا الدم عن أخلاط الفساد، ليتمثل فيه الطهر والعفة والرشاد، فينشأ على قول الحق رافع الهام والحسام، لا على البذاء وعورات الكلام، متفاهمين على الغاية المنشودة، متجهين إلى البناء لا الهدم، إلى الإنصاف لا الحيف، يقيم بعضهم بعضاً إذا كبا، ويستره إذا عري حساً أو معنى، مدركين أنه إذا تصالح ندامى الحان، وتشاكس إخوان المسجد، انكسرت المئذنة، واستولى السكارى على المحراب..
وحضني عليها رغبتي في إبراء الذمة بنصح النفس والأمة، فمن أعظم ما عبد الله به نصيحة خلقه، وما تصدق رجلٌ بصدقةٍ أفضل من موعظةٍ يعظ بها قوماً فيتفرقون وقد نفعهم الله بها، فاللهم انفع وارفع.
حرمة وشناعة الاستطالة على الحرمات
خذها أيها الدم الجديد
خذها وصايا بألفاظٍ مطولةٍ فيها لمن يبتغي التبيان تبيانُ
وكم من حروفٍ تجر الحتوف..!......
حالقة الدين
معشر الإخوة والأخوات والبنين والبنات! إن مواضع الزلل لا تكاد تنحصر ولا تختصر، ومن أخطر وأسوأ هذه المواضع: الاستطالة على الحرمات، وتتبع العورات، إنها الحالقة، بل الآفة الخطيرة والمزلق العظيم الذي اشتد نكير رسول الله صلى الله عليه وسلم على من اتصف به فيما ثبت عنه، قال: {يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه! لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، فضحه ولو في قعر داره ^ إنه موقفٌ حاسمٌ، ووعيدٌ زاجر يملأ النفس الحية خوفاً وهيبة وحذراً، ويقرر مبدأ صيانة العرض، وأن الجزاء من جنس العمل، وجرح اللسان كجرح السنان، والجروح قصاص: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه [النساء: 123]^.
بذلك تواترت النصوص الشرعية في غاية العظمة والإحكام؛ لتدل على عظيم منزلة المؤمن وبشاعة الاستطالة على حرمته، نظر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إلى الكعبة يوماً ثم قال: [[ما أعظمك! وما أعظم حرمتك! وللمؤمن والله أعظم حرمة منك ]]^ إنها كحرمة يوم النحر في شهر ذي الحجة في البلد الحرام:
لو قد عقلنا ذاك ما كنا نرى بعضاً يجرح مسلماً ويجرم
هب أن فينا مخطئاً فيما ادعى فهل السباب هو العلاج الأقوم؟
كيف الوقوف أمام خلاق الملا والعلم ظنٌّ والحديث مرجم؟
ثبت في البخاري من حديث أبي بكرة رضي الله عنهما: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فقال: {أي يوم هذا؟ أي شهر هذا؟ أي بلدٍ هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميها بغير اسمها، ثم قال: أليس بيوم النحر؟ أليس بذي الحجة؟ أليست بالبلدة الحرام؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام؛ كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم.. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم فاشهد }^ { كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه }.
لقد خاب من يسعى لإيذاء مسلمٍ كما خاب من يرجو سراباً بقيعة
وكم من حروف تجر الحتوف!
إن من أخص سمات المسلم سلامة المسلم منه يداً ولساناً، والعاقل يطمح إلى هذا الوضع ليكون ممن جعلوا سلاطة ألسنتهم على أعداء الله وحلو كلامهم لأولياء الله، محققين قول الله في وصف أصحاب رسول الله: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]^ وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده }^ ويقول ابن القيم عليه رحمة الله: أهل الصراط المستقيم كفوا ألسنتهم عن الباطل، وأطلقوها فيما يعود عليهم بالنفع في الآخرة، فلا ترى أحدهم يتكلم بكلمة تذهب عليه ضائعة بلا منفعة، فضلاً عن أن تضره في الآخرة، وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسناتٍ أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها كلها، ويأتي بسيئاتٍ أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به.
فللسان احفظ ولا تكلم إلا بخيرٍ أو فصمتاً الزم
وخشية الله فلازم وانتهِ عما نهاك وامتثل لأمره
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : {كف عليك هذا، ويشير إلى لسانه، فقال معاذ : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا نبي الله؟! -وفي رواية: أوكلما نتكلم به يكتب علينا يا نبي الله؟!- فقال: ثكلتك أمك يا معاذ ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟
}^ إنك ما تزال سالماً ما سكت، فإذا تكلمت كتب عليك أو لك، فاللهم سلم سلم!
يكب الفتى في النار حصد لسانه فحافظ على ضبط اللسان وقيدِ
وكم من حروف تجر الحتوف!
يا عبد الله! ذكرك أخاك بما يكره في حضوره سب وشتم، وبما يكره في غيبته لو بلغه؛ في بدنه، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلقه، أو ماله، أو ولده، أو زوجه، أو خادمه، أو ثوبه، أو حركته، أو طلاقته، أو عبوسه، ذكره بواحدةٍ من هذه بلفظٍ، أو إشارة، أو رمزٍ، أو كتابةٍ، أو حكاية غيبة، أو همزٌ ولمزٌ وقدح إن كان فيه، فإن لم يكن فيه ما قلت فغيبةٌ وبهتانٌ وظلمٌ وكذب، ظلماتٌ بعضها فوق بعض، مع تعدٍ لحدود الله: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:229]^.
فاحذر حدود الله وارج ثوابه حتى تكون كمن له قلبان
وكم من حروف تجر الحتوف!
معشر الإخوة! الربا ما الربا؟ الربا: إيذان بحرب من الله على من يتعامل به، ومحارب الله محروب، ودرهم ربا أشد من ستٍ وثلاثين زنية كما ثبت، وأدنى الربا مثل إتيان الرجل أمه، ونعوذ بالله من ذلك، فما أرباه؟ وما أشده تحريماً؟ وما أعظمه وبالاً؟
ثبت من حديث البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {الربا اثنان وسبعون باباً، أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم بغير حق }^.
يا لله! إن العرض أعز على النفس من المال وغيره.. حقيقةٌ لا تدحر، وحجةٌ لا تنقض، أفلا نعقل؟ فأين المفر؟ {بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام }^.
شنعاء صلعاء عوراء أن يقال في المؤمن ما ليس فيه أو ما يكرهه، فاحذروا ثم احذروا، وكونوا عباد الله إخواناً.
ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال وهي عصارة أهل النار }^ وفي رواية للإمام أحمد : {ومن رمى مسلماً بشيءٍ يريد شينه به، حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال }^ يحبس حتى يرضى خصمه أو يشفع فيه، أو يعذب بقدر ذنبه أجارنا الله، وقد ثبت أن أبا الدرداء رضي الله عنه قال: [[ أيما رجل أشاع على امرئ مسلمٍ كلمة هو بريء منها ليشينه بها، كان حقاً على الله أن يعذبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال ]]^.
ذاك وربي موقفٌ عسير ورسل الإله تستجير
يا رب سلم إنه لمأزق من شدة الهول يشيب المفرق
وكم من حروف تجر الحتوف..!
معشر الإخوة! ومما يحسب أنه هينٌ وهو عند الله عظيم: السخرية بالدين وما اتصل به من تقليد خلق أهله، ومحاكاة أفعالهم وحركاتهم لإضحاك الناس وتسليتهم، وجعل ذلك مهنةً أو زينة مجلس، وربما قالوا بقول سلفهم: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66]^.
إليهم ما قال صلى الله عليه وسلم فيما ثبت في مسند أحمد : {إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي بها في النار أبعد من الثريا }^ وفي رواية: {ألا عسى رجلٌ يتكلم بالكلمة ليضحك بها أصحابه، فيسخط الله عليه بها لا يرضى عنه حتى يدخله النار }^ فإلى الهازئين الضاحكين المضحكين، مختلقي الأكاذيب لذلك، من يصدق على أحدهم:
ما زلت أعرفه قرداً بلا ذنب صفراً من البأس مملوءاً من النزق
أقول لهم: دونكم.. دونكم! كم ضاحكٍ بملء فيه والله ساخطٌ عليه.
تالله لو علمت ما وراءكا لما ضحكت ولأكثرت البكا
وكم من حروف تجر الحتوف..!
ومن المصائب -والمصائب جمة- أن يبتلى المرء بصديقٍ له يأمنه، يعرف منه ما لا يعرفه غيره، فيغدره بالسعي إلى عدوٍ له ذي سلطانٍ أو جاهٍ أو مالٍ أو غيره، ليذكره عنده بغير الجميل، ويتعرض له بالوقيعة والأذية، ليجاز بجائزة إنما هي لعاعة من الدنيا، طعامٌ أو كساء أو دينار أو إطراء لا بارك الله له فيها، إنما هي بمثلها في جهنم.
روى أبو داود وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من أكل برجلٍ مسلمٍ أكلة، فإن الله يطعمه مثلها في جهنم، ومن كُسي برجلٍ مسلمٍ ثوباً، فإن الله يكسوه مثله في جهنم، ومن قام برجلٍ مسلمٍ مقام سمعةٍ ورياء، فإن الله يقوم به مقام سمعةٍ ورياءٍ يوم القيامة }^.
فيا للرزية! وكل هذا في سبيل إشباع البطون! ألا أبعد الله خبزةً أهتك بها ديني، وأخاطر من أجلها بآخرتي، وأعق بها سلفي، وأهين بها نفسي، وأهدم بها شرفي، وأكون بها حجة على تاريخي وأمتي، أين من يعقل؟ أين من يعي؟ إن لم تتب:
فلا زلت دوماً في احتياجٍ وفاقةٍ
إلى أن بلغت السن والغاية التي تحس بأن الجعل منك اشمأزت
ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لما عرج بي مررت على قوم لهم أظفارٌ من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم }^ جَزَاءً وِفَاقاً [النبأ:26]^ وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49]^.
إذا كان هذا فعل عبدٍ بنفسه فمن ذا له من بعد ذلك يُكرم؟
وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الحج:18]^ وأخرج الإمام أحمد وصححه الألباني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: {جاء الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد على نفسه بالزنا أربع شهادات، يقول: أتيت امرأة حراماً فطهرني يا رسول الله! فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرجم فرجم، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين من الأنصار يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم يدع نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سار ساعة، فمر بجيفة حمار شائن، انتفخ بطنه فارتفعت رجله، فقال صلى الله عليه وسلم: أين فلان وفلان؟ قالوا: نحن ذا يا رسول الله! فقال لهما: كلا من جيفة هذا الحمار! قالا: يا رسول الله! غفر الله لك ومن يأكل هذا؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ما نلتما من عرض أخيكما آنفاً أشد من أكل هذه الجيفة، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها
}^
الله أكبر!
الله أكبر لفتةٌ من آيبٍ لاح الطريق له فشمر وانبرى
عبد الله! إن آكل جيفة الحمار مع خبثها وحرمتها لم يؤذ مسلماً، ولم ينتهك عرضاً، ولم تنشغل ذمته بحقوق العباد التي سيسأل عنها يوم القيامة، فهو خيرٌ ممن يأكل لحوم البشر، وفي كلٍ شر:
فاهجر من الكلام ما قد أفعما بالزور والتضليل والبهتانِ
أهل الوقيعة هم خصومك دائما لا يلتقي بمحبةٍ خصمانِ
وكم من حروف تجر الحتوف..!
عبد الله! ما الحيوان الذي يأكل لحم أخيه بعد موته؟ الأسد؟ النمر؟ الثعلب؟ لا.. لا تألفها بل تأنفها، لا يفعلها إلا ذلك الحيوان الذي إذا ولغ في الإناء؛ احتيج إلى غسله لا مرة.. بل إلى سبع والتراب؛ إنه الكلب، لا يفعلها إلا كلب، وشبه الشيء منجذبٌ إليه:
ألم تقرأ القرآن عمرك مرةً فما لك تعمى عنه في كل مرة
قال الله: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12]^.
فاسمع إذا حدثت وافـ ـهم كيف عاقبة الأمور
والحروف تجر الحتوف..!
واعجباً لمسلم -يا معشر الإخوة- قبل أن يتعلم مسألة من مسائل الدين، يتعلم كيف يقع في إخوانه المسلمين، من أين له الفلاح؟! كيف يفلح من ديدنه الطعن في أقوامٍ لعلهم حطوا رحالهم في الجنة منذ سنين؟! ذلكم والله المسكين، قد ذبح بغير سكين:
كم صك آذاناً بجندل لفظه وأطال محنتنا بطول لسانه
ما زال يعلن بيننا عن نفسه حتى استغاث الصم من إعلانه
ألسنةٌ كالسياط، أدبها ودأبها التربص، فالتوثب على الأعراض في اعتراض، أشرفت علينا بقرون الفتنة لتضرب الثقة في قوام الأمة، طبع أصحابها -كما يقول ابن القيم عليه رحمة الله- طبع خنزير، يمر على الطيبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه ولغ فيه، وقمح، يسمع منك ويرى من المحاسن أضعاف أضعاف المساوئ فلا يحفظها، ولا ينقلها، ولا تناسبه، فإذا رأى سقطةً أو كلمةً عوراء ولو في فهمه، وجد بغيته وجعلها فاكهته، ألا بئس المنتجع وبئست الهواية، ويا ويلهم يوم تبلى السرائر يوم القيامة!
عبد الله! أمة الله! إن الوقيعة في الأعراض بضاعة الجبناء، وكفُّ اللسان عن المسلمين سمة العلماء، وكل إلى جنسه يحن؛ العلماء الربانيون حفظوا الله فحفظهم وطهر ألسنتهم، اجتنبوا الغيبة والطعن والهمز واللمز كما تجتنب النجاسات، لا يسمحون بأن تدار في مجالسهم كما لا يسمحون لكئوس الخمر -أجارهم الله- أن تدار فيها.
يقول أحدهم: صحبت فلاناً عشرين سنة والله ما سمعت منه كلمة تعاب.
ويقول آخر: والله ما اغتبت مسلماً مذ علمت أن الله حرم الغيبة، حالهم:
فإن مررت بنادٍ لا تجيف به أهل السفاهة فانزل ذاك نادينا
......
الشنقيطي يرى قتل الولد ونهب المال أهون من أخذ الحسنات
هاهو العلامة/ محمد الأمين صاحب الأضواء عليه رحمة رب العالمين، قد عُرف بهذا الخلق العزيز، وهو شدة التجافي عن الوقوع في أعراض الناس، كان محارباً مرابطاً على ثغر، لا يسمح لأحدٍ بنسف عرض أخيه في مجلسه، فيحمي نفسه ويحمي مجلسه، ويؤدب على ضبط النفس من يلوذ به، فيعينه على ما ينفعه ويرفعه، ويربأ به عما يضره، إنه محمد ، واقتدى بمحمد صلى الله وسلم على نبينا محمد:
ومن ينحرف عن خط سير محمد يصر في يد الشيطان مثل البهيمة
ولا تحسبن السير خلف محمد كرحلة صيد أو كمشوار نزهةِ
يقول: لقتل الأولاد ونهب الأموال أهون عندي من أخذ الحسنات من رجلٍ كبيرٍ مثلي. ثم لا يغتاب ولا يسمح بالغيبة، ويقول: إذا كان الإنسان يعلم أن كل ما يتكلم به يأتي في صحيفته يوم القيامة، فلا يأتين فيها إلا بالطيب
فرائدٌ خردٌ ترسو جواهرها فوق الكواكب لا بطن التجاليد
وفي رحلة الحج سجَّل هذا الموقف العظيم، يقول: ثم جئنا آخر النهار قرية نائية، فالتمسنا رجلاً عربياً نبيت عنده، فدعانا رجلٌ عربي فأنزلنا منزلاً يعوي منه الكلب، وأغلق علينا الباب من الخارج، فبتنا ليلة لا أعاد الله علينا مثلها، ذكرتني ليلة النابغة التي يقول فيها:
كليني لهم يا أميمة ناصب وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقضٍ وليس الذي يرعى النجوم بآيب
وليلة المهلهل التي يقول فيها:
إذا أنتِ انقضيت فلا تحوري
وأنقذني بياض الصبح منها وقد أنقذت من شيء كبير
يقول: فكان صبح تلك الليلة أحب غائبٍ إلينا، يقول -واسمع إلى ما قال، وهذا هو موطن الشاهد- يقول: والله الذي لا إله إلا هو ما سألت عن اسمه ولا عن اسم أبيه خوفاً من أن أقع فيه:
فسما بأروقة الجوى فأحلها فرع الثريا وهي في أصل الثرى
حتى ظننا الشافعي ومالكاً وأبا حنيفة و ابن حنبل حُضَّرا
ومن قبل هاهو صاحب الصحيح الإمام أبو عبد الله البخاري عليه رحمة الله يقول: إني لأرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً، والإمام ابن دقيق رحمه الله يقول: ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلاً إلا وأعددت له جواباً بين يدي الله:
سلفٌ إذا مر الزمان بذكرهم وقف الزمان لهم مُجِلاً مكبرا
كانت الدنيا عروساً بهمُ فهي اليوم تكون الأرمله
ما يصنعه من ابتلي بمجلس غيبة
.....
إزالة المنكر قدر الاستطاعة أو الانعزال
معشر الإخوة والبنين! ولقائل إن يقول: فإن بلي المرء بالجلوس في مجلس طعنٍ أو غيبة وما في حكمها، فماذا يصنع؟
نقول: إن عليه أن يردها، ويزجر قائلها بالكلم أولاً، وحاله ومقاله كحال ذلك الشيخ/ محمد الأمين ، حين جاءه رجل كبير، وكم من كبير يحق عليه، عقله عقل طائرٍ وهو في هيئة الجمل، فبدأ يغتاب عنده في مجلسه، فنهاه الشيخ في هدوء:
وهدوء أمواج البحار تأهبٌ للمد يكتسح الشواطئ صرهرا
فقال المغتاب: أنا المتكلم لا أنت، يعني: عليَّ تبعة كلامي، فقال الشيخ: أنا شيخ بين جنبي سورة البقرة، إما أن تسكت بأدب أو تخرج، حاله:
فإن أر حقاً كنت للحق تابعاً وإن أر غير الحق أطلق قذيفتي
وإني على هذا يراعي ومقولي وذلك أسلوبي وتلك طريقتي
فإن لم ينزجر، فباليد إن كانت لك ولاية، فإن لم تستطع باليد ولا باللسان، ففارق ذلك المجلس، لا خيار لك، إن بقيت فإنك إذاً مثلهم، قال الله: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68]^.
فإن أعيتك الحيل ولم تستطع المفارقة حرم عليك الاستماع والإصغاء، ولزمك أن تسل قلبك من بينهم كسل الشعرة من العجينة، تذكر الله في عزلة شعورية، تكون معهم فيها حاضراً غائباً، قريباً بعيداً، يقظان نائماً، تنظر إليهم ولا تبصرهم، تسمع كلامهم ولا تعيه، قد انشغل قلبك بتصور عظمة من تناجيه جل جلاله وتقدست أسماؤه، فأنت في وادٍ وهم في وادٍ؛ حالك:
يا ربى الوادي ويا كثبانه رددي همسي وغني بهديلي
سامعاً غير مستمع، مأجوراً بإذن الله غير مأزور، وليس شيءٌ أصعب ولا أشق على هذا من النفس، ولكن من صدق الله كان الله له وكان معه:
تبارك من إن ندن منه تَقَرُّباً بشبرٍ دنا منا ذراعاً برحمة
الذب عن عرض المسلم
معشر الإخوة والبنين! وحق المسلم على أخيه أن ينصره إذا ظلم، ويذب عن عرضه إذا خيض فيه من منافق أو ظالم أو فاسقٍ لا يخشى يوم الحساب، فإن في ذلك أجراً عظيماً، وفي خذلانه إثماً مبيناً، والمؤمن مرآة المؤمن يحوطه من ورائه.
ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {من نصر أخاه بالغيب، نصره الله في الدنيا والآخرة، ومن حمى مؤمناً من منافق بعث الله له ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضعٍ ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطنٍ يحب نصرته }^ وهذا ما التزمه القدوات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق إخوانهم
إمامهمُ دون الأنام محمدٌ وليس لهم من دونه من أئمة
ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في القوم في تبوك قال: {ما فعل كعب بن مالك ؟ -وقد تخلف عن تلك الغزاة كما تعلمون- فقال رجل: يا رسول الله! حبسه برداه والنظر في عطفيه، فقال معاذ : بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً
}^ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم مقراً لإنكار معاذ على ذلك المغتاب لأخيه، ومشرعاً لمثله بالرد والذب.
وليس أخي من ودني وهو حاضر ولكن أخي من ودني وهو غائب
يدعى أحد السلف لطعامٍ، فلما جلس، قالوا: إن فلاناً لم يأت، فقال رجل منهم: إنه رجلٌ ثقيل، فقال: أوه، إنما فعل هذا في بطني حين شهدت طعاماً اغتبت فيه مسلماً، ثم خرج فلما يأكل ثلاثة أيام وحاله:
إليكم فإني لست ممن إذا اتقى عضاض الأفاعي نام فوق العقارب
ويذكر رجل بسوءٍ أمام صاحبه فقال للمغتاب: أغزوت الترك؟ قال: لا، قال: أغزوت الروم؟ قال: لا، قال: سلم منك الروم والترك ولم يسلم منك أخوك!
أنسيت حق الله أم أهملته شرٌّ من الناسي هو المتناسي
معشر الإخوة! إن المغتاب أو الطعان لو لم يجد آذاناً صاغيةً لما وقع واسترسل، ولكسدت بضاعته وما نفقت، فالحزم الحزم معشر الإخوة! لا يجوز مجاراة الطاعنين بحال، ويعظم ذلك حين يكون الوقوع في عالمٍ أو داعيةٍ أو مصلحٍ، ذاكم هو الداء الدوي، والموت الخفي؛ في زمن ما أحراه بقول من قال:
زمان رأينا فيه كل العجائب وأصبحت الأذناب فوق الذوائب
وجوب الذب عن أعراض العلماء وبيان عظم حرماتهم
من هتك ستر عالمٍ وتكلم فيه بغير حق، ابتلي بسوء ذنبه، وقد يختم له بخاتمة السوء حين مصرعه، كما قال ابن عساكر : وعادة الله في هتك أستار منتقصي العلماء معلومة، ومن أطلق لسانه في العلماء بالثلب؛ ابتلاه الله قبل موته بموت القلب: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]^ تلك والله -معشر الإخوة والأخوات- سيما ضعاف النفوس، يشعرون دائماً بضآلة أنفسهم، فيسعون إلى هدم القمم الشماء لتتساوى الرءوس في الحفر، لا يرون الصعود إلا على أشلاء العمالقة الجهابذة العلماء العاملين، فواحدهم يصدق عليه قول القائل:
فكالهر يخشى شرب ماءٍ بجدول ويشرب من أوساخ ماءٍ بحفرة
ومن ثم ينصبون مشانق الطعن والتجريح لإلغاء الثقة في العلماء العاملين، لو رأيتهم يتواثبون ويقفزون -والله أعلم بما يوعون- لأدركت فيهم الخفة والطيش في أحلام الطير:
صم ولو سمعوا بكم ولو نطقوا عميٌ ولو نظروا بهتٌ ولو شهدوا
كأنهم إذ ترى خشبٌ مسندةٌ وتحسب الركب أيقاظاً وما رقدوا
يتداولون غيبة العلماء ويتعاطونها فيما بينهم، ويدار عليهم بها كما يدار بكأس الماء على العطشى، فمقلٌّ ومستكثر،
فعابوا أموراً يعلم الله أنهم أحق بها وصفاً وأولى بعيبةِ
فواحدهم يلقي الكلام مجازفاً على حسب ما يأتي بغير روية ِ
لحوم العلماء مسمومة؛ من شمها مرض، ومن أكلها مات، لحوم أهل العلم مسمومة، ومن يعاديهم سريع الهلاك
فكن لأهل العلم عوناً وإن عاديتهم يوماً فخذ ما أتاك
البلاء موكلٌ بالمنطق، والجزاء من جنس العمل، وكم طاعنٍ ابتلي بما طعن.
يقول أحد السلف : إني أجد نفسي تحدثني بالشيء، فما يمنعني من قوله إلا مخافة أن ابتلى.
لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم فالقلب بين أصابع الرحمن
يحكى أن رجلاً كان يجرئ تلامذته على الطعن في العلماء وإهانتهم وتتبع زلاتهم، وذات يوم قام يتكلم بكلامٍ لم يرق لأحد طلابه، فقام إليه ذلك الطالب، فصفعه على رءوس الأشهاد، ليقول بلسان الحال: حصادك يوماً ما زرعت: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران:182]^.
إن السعيد لمن له من غيره عظة وفي التجاريب تحكيمٌ ومعتبر
وكم من حروفٍ تجر الحتوف..!
من خاض في أعراض العلماء، ودعا إلى ذلك، فقد سن سنةً سيئةً، عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، فالدال على الشر كفاعله، والسعيد من إذا مات ماتت معه سيئاته، قال الله: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ [يس:12]^.
وما من كاتبٍ إلا سيلقى غداة الحشر ما كتبت يداه
وما من قائلٍ إلا سيلقى غداة الحشر ما نطقت شفاه
العلماء حراس الديانة الأمناء، والغض من مكانة الحارس معناه استدعاء اللصوص، العلماء عقول الأمة، والأمة التي لا تحترم عقولها غير جديرةٍ بالبقاء، العلماء حملة الشريعة وورثة الأنبياء، والمؤتمنون على الرسالة، حبهم والذب عنهم ديانة، ما خلت ساحة من أهل العلم إلا اتخذ الناس رءوساً جهالاً يفتونهم بغير علم، فيعم الضلال، ويتبعه الوبال والنكال، وتطل عندها سحب الفتن تمطر المحن، ومن الوقيعة ما قتل، فنعوذ بالله من الخطل، وما عالم برع في علمه يؤخذ بهفوته، وإلا لما بقي معنا عالم قط، فكلٌ رادٌّ ومردودٌ عليه، والعصمة لأنبياء الله ورسله، والفاضل من عدت سقطاته، وليتنا أدركنا بعض صوابهم، أو كنا ممن يميز خطأهم على الأقل، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث
وما عبر الإنسان عن فضل نفسه بمثل اعتقاد الفضل في كل فاضل
وليس من الإنصاف أن يدفع الفتى يد النقص عنه بانتقاص الأفاضل
وكم من حروفٍ تجر الحتوف!
تنكر الطالب لشيخه شنيعة شنعاء
والشنيعة الشنعاء معشر الإخوة، والداهية الدهياء التي تستحق جز الغلاصم، وقطع الحلاقم، ولدغ الأراقم، ونهش الضراغم، فهي البلاء المتلاطم المتراكم: تنكر الطالب لشيخه الذي طالما أفاده وعلمه، وأحسن إليه وأدبه، ولمن كان سبباً في هدايته لهوىً في نفسه يجحد ما مضى من إحسانه إليه، ويسل لسانه عليه، فيقول بقول كافرة العشير: ما رأيت منك خيراً قط، ثم يذم ويشنع، ويقبح ويبدع، يصدق عليه قول القائل:
له بطن تمساحٍ وقلب حمامةٍ وأنياب ضرغامٍ ومنخر هرةِ
سلاحه رث، وحديثه غث..!
مساوٍ لو قسمن على الغواني لما أمهرن إلا بالطلاق
فيا عجباً لمن ربيت طفلاً ألقمه بأطراف البنان
أعلمه الرماية كل يومٍ فلما اشتد ساعده رماني
أعلمه الفتوة كل حينٍ فلما طر شاربه جفاني
وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني
بليت به جهولاً جاهلياً ثقيل الروح مذموماً بغيضا
ولم يك أكثر الطلاب علماً ولكن كان أسرعهم نهوضا
فله ولمن كان على شاكلته أقول: قعوا أو غِيروا ما ذلك بضائرنا ولا بضائرهم، ووالله ما هو بنافعكم، وإذا أكثرتم الرماد، فأثارته الريح، فلا تلوموها ولوموا أنفسكم، ألا هل جزاء الإحسان إلا الإحسان، والموعد الله.
ومن يعتلق حبل الدعاوى ترد به فحبل الدعاوى ذو خيوطٍ ضعيفة
عقاب الطاعنين في الأعراض
ألا إن أعراض المسلمين حفرةٌ من حفر النار، لم يزل يتقحم فيها كثيرٌ من الناس مساكين، مسكين ذلك الذي يجتهد في فرائضه ونوافله يومه كله، ثم يبيت يوم يبيت ولا حسنة له.
يا لله! أين ذهبت فرائضه؟ أين ذهبت نوافله؟ أين ذهب بره وإحسانه وأمره بالمعروف ونهيه؟ فرقها بلا حساب، يجمع ولا ينتفع، يتعب ولا يستفيد، ذاكم هو المفلس حقاً، كما ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: {أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع }^ فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يبين أن الإفلاس الحقيقي هو في إضاعة الحسنات، في يومٍ لا يتاح فيه لمضيِّع أن يكسب أو يعوض فقال: {إن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من سيئاتهم وخطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار }^.
يا رب!
كم من الأخطاء قد أتينا وكم على أنفسنا جنينا
لكننا نرجوك يا من يغفر وللذنوب والعيوب يستر
إن من كمال عدل الله -يا معشر الإخوة- ألا يدع مظلوماً في ذلك اليوم حتى ينتصف له من ظالمه، ولن يجاوز جسر جهنم ظالم حتى يؤدي مظلمته حتى اللطمة.. حتى البهائم يقاد لبعضها من بعض، ثم يقال لها: كوني ترابا، فقائلٌ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً [النبأ:40]^ وآخر: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24]^ وثالث: يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً [الفرقان:28]^.
قد ضوعف الكرب على النفوس ودنت الشمس من الرءوس
واقتص للمظلوم ممن ظلمه بحكمه العدل كما قد علمه
قال صلى الله عليه وسلم: {لتؤدنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء }^.
فإلى أصحاب القرون الذين ينطحون بها -وهم كثر- ليشفقوا على أنفسهم ورءوسهم؛ يا ناطحاً بماله أو سلطانه أو جاهه، أو بقرن غيره، أو بلسانه وقلمه، الله يعلم وسيقضي بينكم يوم القيامة، فهو الحكم العدل، كل ذلك في كتابٍ عنده لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، وسيقتص حتى للذرة من الذرة:
فلا تنس أنك يا صاحبي ستسأل عن حبة الخردل


توقيع : أم عبد المنعم


رد مع اقتباس