عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 02-03-2012, 03:35 AM
الصورة الرمزية أم عبد المنعم
أم عبد المنعم أم عبد المنعم غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 1,256
افتراضي

التحذير من حضور مجالس الشر

كما حث الشارع على حضور مجالس الذكر فقد نفّر عن مجالسة الكذابين، وحذر من مجالسة الخطائين، قال الله عز وجل: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان:72] أي: كأن الإنسان إذا جلس في مجالس اللغو فإن هذه إهانة له تنافي الكرامة التي كرمه الله عز وجل بها، سواء كانت تلك مجالس اللعب واللهو، أو مجالس للأغاني، أو مجالس للأفلام، فكل هذا اللهو الفارغ ملعون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها)، فكل هذه الأشياء ملعونة ومطرودة ومبعدة من رحمة الله عز وجل، ومبعدة لمن اشتغل بها عن ذكر الله تبارك وتعالى، فلا ينبغي حضور مجالس الزور كما قال تعالى: ((وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ))، وسواء كان الزور أعياد المشركين، أو كان مجالس اللهو والكذب والمسرحيات والأفلام والفيديو وغير ذلك من مجالس الشياطين. وقال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3]، والإعراض: هو تجافي القلب وكراهيته لهذه المجالس، ومجانبته لأهلها، فلا ينبغي حضور هذه المجالس ولا قربها؛ تنزهاً عن مخالطة الشر وأهله، وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113]، وصيانة لدينه عما يشينه؛ لأن مشاهدة الباطل فيه شركة، ولهذا قال عز وجل: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28]، وقال عز وجل: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر:19]، وقال عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى [طه:124-126]، وقال عز وجل: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى [طه:15-16]، وقال عز وجل في المنافقين: وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قليلا [النساء:142]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المنافقون:9]. فينبغي الاشتغال بمجالس الذكر، ومن لازم ذلك الإعراض عن مجالس اللهو، وهذا على نقيض ما يذهب إليه أتباع الشياطين ممن يقولون: ساعة لقلبك وساعة لربك، وفي الحقيقة هي ساعة لربك، ولا تكون خالصة لله، وساعة لشيطانك، وهذه شركة في تقسيم الوقت، بل إنّ المسلم يمتثل ما قاله النبي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162]، وهذه التقسيمات ما أنزل الله بها من سلطان، وبعض الناس يأتون بأشياء تخالف ما قد أحكمه الله عز وجل، فبدلاً من أن يتحاكموا إلى شرع الله عز وجل فإنهم يقسمون أعمارهم إلى قسمين: حظ للشيطان، ويزعمون أن الحظ الآخر لله عز وجل، وما أمرهم إلا كما قال الله عز وجل: فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الأنعام:136]. فتقسيم مُلك السموات والأرض إنما هو لله تعالى، وليس كما يقول الملاحدة الكفار: الدين لله والوطن للجميع، فيقسمون وكأنهم يملكون هذا الكون، وتلك القسمة تنافي قول الله عز وجل: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:189]، وهؤلاء عباد الله عز وجل يملكهم ويملك نواصيهم. فالمقصود أن هذا التقسيم: ساعة لربك، وساعة لقلبك، مما ينافي مقاصد الشريعة، ويمكن أن يضاف إليها: لقلبك المريض، فلا يقول مثل هذا الكلام إلّا مريض القلب، وأما المسلم فإنه يطيع الله عز وجل في كل أحواله، إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]. فهذه المجالس نحن مأمورون بالإعراض عنها كما قال عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3]، وهذه صفة: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:11] أي: أنهم إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، وقال عز وجل: وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [يونس:41]. وقد عدد العلماء أسماء مجالس اللهو والفساد؛ ليدلونا على كثرة مفاسدها، فمن ذلك أنهم سموا مجالس المسرحيات والغناء والأفلام ومجالس الفجور المعروفة باسم اللهو، والغناء والموسيقى سموها أحياناً لهو الحديث، وسموها بالزور، واللغو، والباطل، والمكاء، والتصدية، ورقية الزنا، ومنبت النفاق، وقرآن الشيطان، والصوت الأحمق، والصوت الفاجر، وصوت الشيطان، ومزمور الشيطان، والسمود كما جاء في بعض الآيات. ......


من فوائد الذكر أنه يكسب الأعضاء قوة


نذكر بعض الفوائد المهمة التي تنشط القلب على المواظبة على الذكر، يقول العلماء: إن العبادة -وخصوصاً ذكر الله عز وجل- تنشط البدن وتقويه، وتذهب النوم والفتور اللذين يكسلان البدن، ويقسيان القلب، فيقول هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فيما أخبر الله عنه: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ [هود:52] فثمرة الاستغفار والتوبة أن يرسل الله الرزق الوفير، والمطر الكثير، ((وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ))، وهذه القوة -كما يقول المفسرون- تشمل جميع القوى، فيزيد الله عابديه قوة في إيمانهم ويقينهم ودينهم وتوكلهم وغير ذلك مما هو من جنس ذلك، ويزيدهم قوة في أسماعهم وأبصارهم وأجسادهم وأموالهم وأولادهم وغير ذلك، ولقد (علّم النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وعلياً رضي الله عنهما أن يسبحا كل ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثاً وثلاثين، ويحمدا ثلاثاً وثلاثين، ويكبرا أربعاً وثلاثين، وذلك لما سألته الخادم، وشكت إليه ما تقاسيه من العمل والسعي والخدمة، فعلمهما ذلك وقال: إنه خير لكما من خادم)، فدل هذا على أن الذكر يعطي العبد قوة تعينه على أداء هذه الوظائف، ويكون ذلك أفضل للعبد من الخادم الذي يتحمل عنه أداء هذه الوظائف. وهذا الذكر بالذات وهو: التكبير أربعاً وثلاثين، ثم التسبيح ثلاثاً وثلاثين، ثم الحمد ثلاثاً مما يكيد الشيطان فيه للإنسان، فإذا أراد الإنسان النوم صرفه الشيطان عن هذا الربح الوفير، وقد نبّه على هذا النبي صلى الله عليه وسلم، فالشيطان يأتي إلى العبد إذا أراد النوم فيكسله، ويذهب بهمته، في أن يصبر عليه ويأتي به؛ فانتبهوا لذلك. وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه رضي الله عنهم: (أسمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب في البحر؟)، يقصد مدينة القسطنطينية التي تسمى اليوم استانبول، (لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق، فإذا جاءوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح، ولم يرموا بسهم، وقالوا: لا إله إلا الله والله أكبر)، وكما هو معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم تنبأ أن مدينة القسطنطينية ستفتح مرتين، وقد حصل الفتح الأول على يد السلطان محمد الفاتح العثماني، وسيكون الفتح الثاني قبيل خروج الدجال، فهي الآن لم تعد دار إسلام، فقد ارتدت على يدي أتاتورك ، فيخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه في آخر الزمان إذا أتاها المسلمون المؤمنون ليفتحوها فإنهم لا يفتحونها بسلاح ولا بسهام ولا بقتال، وإنما يكون ذلك بالتسبيح وبالذكر، فالذكر أحياناً قد يبلغ من القوة بحيث إنه يأتي بهذه الأشياء، (فإذا أتوا هذه المدينة قالوا: لا إله إلا الله، والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها الذي في البحر، ثم يقولون الثانية: لا إله إلا الله، والله أكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولون الثالثة: لا إله إلا الله، والله أكبر فيفتح لهم، فيدخلونها فيغنمون، فبينما هم يقتسمون المغانم إذ جاءهم صريخ فقال: إن الدجال قد خرج، فيتركون كل شيء ويرجعو) ، فالقسطنطينية في المرة الثانية ستفتح بالتهليل والتكبير، فهذا من الأدلة على أن الذكر يجعل قوة في الذاكر حسب إيمانه ويقينه. وقد كان حبيب بن سلمة يستحب إذا لقي عدواً، أو ناهض حصناً أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنه ناهض يوماً حصناً للروم فانهزم، فقالها المسلمون وكبروا فانهدم الحصن. قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: إن الذكر يعطي للذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه، وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابته أمراً عجيباً، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر! وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمراً عظيماً. وقد اقتدى الإمام ابن القيم نفسه رحمه الله تعالى بشيخه، فكان إذا صلى الصبح جلس مكانه يذكر الله تعالى حتى يتعالى النهار، ويقول: هذه غدوتي، لو لم أفعلها سقطت قواي. وقال وهب بن منبه : من يتعبد يزدد قوة، ومن يتكسل يزدد فترة. كان مع صلة بن أشيم رجل، فنام هذا الرجل تلك الليلة، وأما صلة فبقي كل الليل قائماً يصلي، يقول الرجل: فأصبح كأنه بات على الحشايا -أي: أصبح صلة وفيه من القوة والنشاط مع أنه كان ساهراً في قيام الليل- وأصبحت ولي من الكسل والفتور ما لا يعلمه إلا الله عز وجل! وقال عطاء الخراساني : قيام الليل حياة للبدن، ونور في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البصر والأعضاء كلها، إن الرجل إذا قام بالليل أصبح فرحاً مسروراً، وإذا نام عن حزبه أصبح حزيناً مكسور القلب كأنه فقد شيئاً، وقد فقد أعظم الأمور له نفعاً. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القبر والقلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق. ويكفي في هذا الباب كله ما رواه أصحاب المسانيد والصحاح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد)فكل إنسان إذا أراد أن ينام فإن الشيطان يأتيه ويعقد على قافيته ثلاث عقد- (ويضرب مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإذا استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان). أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. ......


الذكر من أعظم التجارات مع الله تعالى


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. ثم أما بعد: عباد الله! دنا رحيلكم، وقد بان سبيلكم، وقد نصحكم دليلكم، ودلكم على تجارة هي من أعظم التجارات مع الله عز وجل، فإن الله عز وجل قد أخبر بتجارة فقال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [الصف:10-11]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها). ويقول القائل: أخي! إنما الدنيا كسوق تزينت ....................... وكل امرئ لابد يدخل سوقها سواء بهذا كارهاً أم راضيا ولابد من بيع ولابد من شرا ولابد يمشي رائحاً أو غاديا وسلعته الكبرى التي سيبيعها هي النفس لكن من يكون الشاريا فإن باعها لله أعتقها إذاً وكان له من جمرة النار واقيا وجنة ربي كانت الثمن الذي سيقبضه الإنسان فرحان راضيا وقد ربح البيع الذي تم عقده وجل الإله المشتري جل ربيا فنحن في هذه الدنيا في تجارة، وهذه التجارة إما أن تكون مع الله عز وجل وإما أن تكون مع الشيطان، والتاجر الناصح هو الذي ينظر في السلع، فيأخذ أخف هذه السلع مئونة وأعظمها ربحاً، ولاشك أن ذكر الله عز وجل من أعظم التجارات، وهو الباب المفتوح بين العبد وبين ربه، إلا أن يغلقه العبد بغفلته. قال الحسن البصري : التمس الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وفي تلاوة القرآن، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق، فخبروني بالله عليكم: أي عمل أيسر من ذكر الله عز وجل يترتب عليه من الأجر ما يترتب على ذكر الله عز وجل؟!


ذكر الله تعالى من أعظم نعيم أهل الجنة



ذكر الله عز وجل من نعيم الدنيا لو يعلم الناس، وهو أيضاً من نعيم أهل الجنة، فقد ورد في (صحيح مسلم) (أن أهل الجنة يأكلون، ويشربون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون، طعامهم ذلك جشاء يخرج على جلودهم أطيب من ريح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد كما تلهمون النفس). وقال مالك بن دينار : ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل، فالعبد لو جلس مثلاً نصف ساعة أو ساعة يذكر الله عز وجل فلاشك أنه يجد حلاوة في قلبه، ويجد أن قلبه يتمتع بذكر الله عز وجل، فهو من أعظم نعيم الدنيا، والجنة ليست دار تكليف ولكنها دار نعيم، ومع ذلك فقد جعل الله عز وجل من نعيم الجنة ذكره عز وجل. وقد جاء في بعض الآثار: (أنّ لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا)، فأهل الجنة يلهمون التسبيح والتحميد كما تُلهم النفس، فنحن لا نبذل جهداً في النفس، بل حتى إنك تجد المغمى عليه يتنفس فلا يبذل جهداً في أخذ النفس، فأهل الجنة كذلك يسبحون، ويحمدون الله عز وجل على هذا النعيم، والجنة دار النعيم. وهذه المجالس -كما جاء في بعض الآثار- هي رياض الجنة، ولاشك أن العبد المؤمن يجد فيها متعته، وهي نزهة لقلوب المؤمنين، فتتمتع فيها القلوب بسماع الحكمة وذكر الله عز وجل، فالعبد العاقل هو الذي يريد أن يربح أعظم الأرباح مع الله عز وجل، فنحن مثلاً لو جمعنا أوقات الصلوات سنجدها مثلاً ساعة في اليوم، وإذا كان أحد يقوم الليل فتصير ساعتين مثلاً، فتستطيع أن تضم إلى هذه الساعات القليلة ساعات كثيرة من العبادة وتكون مع الله عز وجل، وإذا كنت مع الله عز وجل كان الله عز وجل معك بالتأييد والنصرة، وتستطيع وأنت واقف تنتظر السيارة مثلاً أن تحرك لسانك بذكر الله عز وجل، وتستطيع وأنت راكب السيارة أن تحرك لسانك بذكر الله عز وجل، ولاشك أن العبد يجد فرصاً كثيرة جداً لكثرة الذكر، بحيث إنه يكثر ساعات عبادته، فبدلاً من أن تكون ساعتين يجعلها أربع أو خمس أو ست ساعات، والله عز وجل هو المعين على ذلك، ونسأل الله عز وجل الإعانة على الذكر كما في الحديث المسلسل بقول كل شيخ لتلميذه: (والله إني لأحبك، فلا تنس أن تقول في دبر كل صلاة: اللهم! أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك) فهذه علامة على المحبة، وهي وصية غالية من حبيب لحبيبه، وصى بها النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً ، ووصى بها معاذ من خلفه؛ حتى دوَّن الحديثَ أئمةُ السنة في كتبهم، فهذه الوصية وصية غالية، ونسأل الله عز وجل أن يعيننا عليها، وأن تكون ألسنتنا رطبة بذكر الله عز وجل. وكذلك وصى الله عز وجل هارون وموسى لما أرسلهما إلى فرعون فقال: وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي [طه:42]، فيستعان بالذكر على الشدائد، وكثرة الذكر في الشدة علامة على المحبة كما في قوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كثيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45]، فأمر الله عز وجل بكثرة الذكر عند لقاء العدو، فهو قوة للقلب، وقوة للبدن، والذكر في الشدة علامة على المحبة كما قال عنترة : ولقد ذكرتك والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهم فذكر العبد ربّه عز وجل عند الشدة علامة على محبته لله عز وجل، وهو من أعظم الأسباب الموصلة إلى محبة الله عز وجل، فنسأل الله عز وجل أن يعيننا وإياكم على العمل بهذه الوصية الغالية، وأن يدرب ألسنتنا على ذلك، فإذا تدّرب اللسان على ذلك تحرك بذكر الله عز وجل دون مشقة أو تكلف من العبد. اللهم! اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأبصارنا، وأسماعنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. ......


توقيع : أم عبد المنعم


رد مع اقتباس