عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 10-17-2010, 09:12 AM
أسامة المسلم أسامة المسلم غير متواجد حالياً

مراقب عـــام

 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 42
افتراضي

أنفاس معدودة
عن ابن مسعود قال: خط النبي خطا مربعاً، وخط خطا في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، فقال: { هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به - أوقد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا } [البخاري].
وقال القرطبي: ( وأجمعت الأمة على أن الموت ليس له سن معلوم، ولا زمن معلوم، ولا مرض معلوم، وذلك ليكون المرء على أهبة من ذلك، مستعداً لذلك ).
وكان بعض الصالحين ينادي بليل على سور المدينة: الرحيل الرحيل. فلما توفي فقد صوته أمير المدينة، فسأل عنه فقيل: إنه قد مات فقال:
ما زال يلهج بالرحيل وذكره *** حتى أناخ ببابه الجمال
فأصابه مستيقظاً متشمراً *** ذا أهبة لم تلهه الآمال
وكان يزيد الرقاشي يقول لنفسه: ( ويحك يا يزيد! من ذا يصلي عنك بعد الموت؟ من ذا يصوم عنك بعد الموت؟ من ذا يترضى ربك عنك بعد الموت؟ ثم يقول: أيها الناس! ألا تبكون وتنوحون على أنفسكم باقي حياتكم؟ مَن الموت طالبه.. والقبر بيته.. والتراب فراشه.. والدود أنيسه.. وهو مع هذا ينتظر الفزع الأكبر.. كي يكون حاله؟ ) ثم يبكي رحمه الله.

بينا الفتى مرح الخطا فرح بما *** يسعى له إذ قيل قد مرض الفتى
إذ قيل بات بليلة ما نامها *** إذ قيل أصبح مثخنا ما يرتجى
إذ قيل أصبح شاخصا وموجها *** ومعللا إذ قيل أصبح قد مضى
وقال التميمي: ( شيئان قطعا عني لذة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى
وكان عمر بن عبدالعزيز يجمع العلماء فيتذكرون الموت والقيامة والآخرة، فيبكون حتى كأن بين أيديهم جنازةَ‎!!
وقال الدقاق: ( من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة ).
وقال الحسن: ( إن هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فالتمسوا عشياً لا موت فيه ).

أذكر الموت ولا أرهبه *** إن قلبي لغليط كالحجر
أطلب الدنيا كأني خالد *** وورائي الموت يقفو بالأثر
وكفى بالموت فاعلم واعظاً *** لمن الموت عليه قدر
والمنايا حوله ترصده *** ليس ينجي المرء منهن المفر
موعظة
فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته، وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه، ومن حاكم ما أعدله. كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهاذماً للذات، وقاطعاً للأمنيات.
فيا جامع المال! والمجتهد في البنيان! ليس لك والله من مالك إلا الأكفان، بل هي والله للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين الذي جمعته من المال؟ هل أنقذك من الأهوال؟ كلا.. بل تركته إلى من لا يحمدك، وقدمت بأوزارك على من لا يعذرك.
ولقد أحسن من قال في تفسير قوله تعالى: وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77]، هو الكفن، فهو وعظ متصل بما تقدم من قوله: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ [القصص:77]، أي اطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة وهي الجنة، فإن حق المؤمن أن يصرف الدنيا فيما ينفعه في الآخرة، لا في الطين والماء، والتجبر والبغي، فكأنهم قالوا: لا تنس أن تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن.
ونحو هذا قال الشاعر:

هي القناعة لا تبـغ بها بدلاً *** فيهــا النعيم وفيها راحــة البدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل *** راح منها بغير القطن والكفن؟!


رد مع اقتباس