عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 02-03-2012, 03:18 AM
الصورة الرمزية أم عبد المنعم
أم عبد المنعم أم عبد المنعم غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 1,256
افتراضي

الحث على الذكر
ثبت في كثير من الآيات والأحاديث فضل الذكر ودعاء الله عز وجل، فمن هذه الآيات قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كثيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42]. ومنها أيضاً: قوله عز وجل: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]، فالشكر يتعدى باللام تقول: قد شكر الله لك، أو شكرت له، وهذا أبلغ من أن تقول: شكرته أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ [لقمان:14]. وقال عز وجل: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف:205]. وقال جل ذكره: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45]. وقال عز وجل مخاطباً نبيه زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما سأل الله أن يجعل له آية قال: قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كثيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ [آل عمران:41]، فقد عطل لسانه عليه السلام عن كل كلام إلا ما كان فيه ذكر، (( آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ))، فكان إذا أراد أن يتكلم عطل لسانه، وامتنع عن النطق إلا إذا كان هذا الكلام بذكر الله عز وجل. وسأل موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ربه أن يجعل له وزيراً: وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه:29-32] لماذا كل هذا؟ كَيْ نُسَبِّحَكَ كثيراً * وَنَذْكُرَكَ كثيراً* إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا [طه:33-35]. وقال أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً بعد ما أخبره أنه يحبه، فقال له: (لا تدع في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم! أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) ، فدل هذا على أن الذكر ليس بالسهل، بل يحتاج إلى معونة من الله عز وجل؛ حتى يصرف عن الإنسان الصوارف الشاغلة التي تحوَّل همته من هذه الكنوز العظيمة التي يفوز بها إذا اشتغل بذكر الله عز وجل. وقال سبحانه وتعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كثيراً [الأحزاب:21]، وقال عز وجل: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كثيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35]، وقال عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ [الرعد:28-29]. ......
الإكثار من ذكر الله
الآن نقف عند إحدى هذه الآيات، وهي آية سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كثيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42]. إذا تأملنا القرآن الكريم والسنة الشريفة فإنا نجد أن كل عبادة من العبادات لها وصف محدد أو عدد محدد لا يجوز عنه، فالحج مثلاً يكون مرة واحدة في السنة، والصيام الواجب هو صيام شهر رمضان، والزكاة يشترط فيها مثلاً حولان الحول، وهناك شروط أخرى، فكل عبادة لها وقت، ولها عدد، ولها هيئة مخصوصة وأوقات مخصوصة، فهناك أوقات ينهى عن الصلاة فيها، والعبادة الوحيدة التي أمرنا بالإكثار منها بلا حدود هي ذكر الله عز وجل، فكل أمر أتى فيه الترغيب في الذكر فغالباً ما يقترن بالإكثار والاجتهاد في مضاعفة هذا الذكر كما في هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كثيراً [الأحزاب:41]، وقوله: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كثيراً وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35]. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كثيراً [الأحزاب:41]: إن الله لم يفرض على عباده فريضة إلا جعل لها حداً معلوماً، ثم عذر أهلها في حال عذر غير الذكر، فإن الله لم يجعل له حداً ينتهي إليه، ولم يعذر أحداً في تركه إلا مغلوباً على عقله، فقال: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ [النساء:103]، بالليل والنهار، في البر والبحر، في السفر والحضر، والغنى والفقر، والصحة والسقم، والسر والعلانية، وعلى كل حال، وقال: ((وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)) فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته. وقال سبحانه وتعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كثيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال:45]، وقال عز وجل: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ [الأحزاب:35] إلى قوله تعالى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كثيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:35]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (سبق المفردون. قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟! قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)، فالمفردون: هم الذين عاشوا في قرن معين من الزمان، ثم ذهب هذا الزمان وبقوا وحدهم متفردين يذكرون الله عز وجل. قال ابن الأعرابي : فَرُد الرجل إذا تفقه، واعتزل الناس، وخلا بمراعاة الأمر والنهي. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا ركعتين جميعاً كتبا في الذاكرين الله كثيراً والذاكرت)، فهذه أيضاً من الأعمال التي يستحق صاحبها أن يوصف بأنه من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات. وهناك رواية أخرى لهذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعاً كتبا ليلتئذ من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات).
من يوصف بأنه من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات
واختلف العلماء فيمن يستحق وصف الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، فقال الإمام أبو الحسن الواحدي : قال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد بالذاكرين الله كثيراً والذاكرات: أنهم يذكرون الله في أدبار الصلوات، وغدواً وعشياً -وهي أذكار الصباح والمساء-، وفي المضاجع إذا أرادوا النوم، وكلما استيقظ من نومه، وكلما غدا أو راح من منزله ذكر الله تعالى. وقال مجاهد : لا يكون من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات حتى يذكر الله قائماً وقاعداً ومضطجعاً. وقال عطاء : من صلى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخل في قوله تعالى: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كثيراً وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35]. وسئل الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله عن القدر الذي يصير به العبد من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، فقال -وهو من أجمع الأجوبة في هذا الباب-: إذا واظب على الأذكار المأثورة المثبتة صباحاً ومساء، في الأوقات والأحوال المختلفة، ليلاً ونهاراً، وهي مبينة في عمل اليوم والليلة؛ كان من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، والله أعلم. وبنحوه قال الإمام محمد الجزري رحمه الله تعالى في العدة، وقال شارح (العدة): لا شك أن صدق هذا الوصف أعني كونه من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات -على من واظب على ذكر الله تعالى وإن كان قليلاً أكمل من صدقه على من ذكر الله كثيراً من غير مواظبة. وقد ثبت في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحيانه). وورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (إن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل). وقال الشيخ صديق حسن خان رحمه الله تعالى: وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أذكار وأدعية عند الأحوال المختلفة، وفي الأوقات المتنوعة كالنوم واليقظة، والأكل والشرب واللباس ونحوها، ووردت بكل حال من هذه الأحوال، وفي كل وقت من هذه الأوقات أذكار متعددة، وكذلك أدعية فوق الواحد والاثنين، فمن أخذ بذكر أو دعاء من الأذكار والأدعية المذكورة وأتى به في ذلك الحال والوقت فقد صدق عليه وصف الإكثار من ذكر الله عز وجل إذا داوم عليه في اليوم والليلة، ولم يُخلّ به في ساعاته من النوم واليقظة. وأما من واظب على جميعها، وأتى بها ليلاً ونهاراً، وجعلها وظيفة دائمة فلا تسأل عنه؛ فإنه قد فاز بالقدح المعلى، وسلك الطريقة المثلى، ولم يأت أحد بأفضل مما أتى هو به إلا من صنع مثل صنيعه زاد عليه، فعليك أن تكون من أحد هذه الأصناف؛ لتصدق عليك هذه الأوصاف، وإلّا فلا تكن يعني: إما أن تكون مقلاً وإما مكثراً ومداوماً، وإلا فلا تكن، أي: لا تعيش أصلاً، فالإنسان بدون ذكر هو في الحقيقة من الأموات. وعن عطاء بن يسار قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يرد دعاؤهم: الذاكر الله كثيراً، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط -أي: العادل-)، فجعل أولهم الذاكر الله كثيراً، فمن أكثر من ذكر الله فلا يرد الله عز وجل دعاءه؛ بل يستجيب له. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً: (ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأرفعها في درجاتكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من إعطاء الورق والذهب، وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله) . وصح عنه أيضاً صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً). وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثَل البيت الذي يُذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثَل الحي والميت)، وفي رواية: (مَثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مَثل الحي والميت) أي: أن الفرق بينهما كالفرق بين الحي والميت. وعن الحارث بن الحارث الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله أمر يحيى بن زكريا أن يأمر بني إسرائيل بخمس كلمات، ومنها: ذكر الله عز وجل) . وقد جاء في هذا الحديث أن يحيى عليه السلام قام خطيباً في بني إسرائيل ممتثلاً ما أمره الله به فقال: (وآمركم بذكر الله كثيراً، ومثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره، فأتى على حصن حصين فأحرز نفسه فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله تعالى). وصح عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه أمر بعض الصحابة رضي الله عنه فقال له: (اعبد الله ولا تشرك به شيئاً، واعمل لله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، واذكر الله تعالى عند كل حجر وكل شجر، وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة، السر بالسر، والعلانية بالعلانية). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله عز وجل: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه)، وهذه هي المعية الخاصة، وهي غير معية الله عز وجل العامة لكل الخلق بالسمع والبصر والاطلاع على كل أحوالهم، فالمعية الخاصة هي التي جاءت في مثل قوله عز وجل: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] وقوله: إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، وقوله: وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:19]، فهذه المعية الخاصة تكون بالنصرة والتأييد والحفظ والكلاءة. يقول الإمام ابن بطّال : معنى الحديث: أنا مع عبدي زمان ذكره لي، أي: أنا معه بالحفظ والكلاءة، لا أنه سبحانه معه بذاته حيث حل العبد. وعن عبد الله بن بسر المازني رضي الله عنه قال: (جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أي الناس خير؟ فقال: طوبى لمن طال عمره وحسن عمله، -وطوبى شجرة في الجنة-، قال: يا رسول الله! أي الأعمال أفضل؟ قال: أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله)، فذكر الله تعالى أفضل الأعمال.


توقيع : أم عبد المنعم


رد مع اقتباس