إضافة رد

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-03-2012, 05:43 PM
الصورة الرمزية المشتاقة للجنة
المشتاقة للجنة المشتاقة للجنة غير متواجد حالياً

مراقبة عامة

 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 4,422
Thumbs up ليس لها إلا المحتسبون



ليس لها إلا المحتسبون

بينما النَّاس أشغلتهم أنفسُهم ودنياهم عن مآل ما يدور من حولهم، انبرى ثلةٌ من الأخيارِ جعلوا من قولِ الله: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى: 36]، دليلاً ونبراسًا لهم، فهم يريدون ما عند الله، لم تحرِّكهم أطماعٌ دنيوية أو أهداف شخصية، هم يرون فيما يقومون به عبادةً يتقرَّبون بها لمولاهم الذي وعدهم؛ {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} [المزمل: 20] في محكمِ التنزيل.

ترى أحدَهم زائرًا لمسؤولٍ يطلبُ منه حقَّ الله فيما وُكل إليه، وآخر جنَّد قلمَه يكتب لهذا وذاك يأمرهم لما فيه خيرٌ في دينهم ودنياهم، وينهاهم عمَّا فيه ضررٌ عليهم، وتجد الآخرَ موكلٌ باتصالاتِه ورسائله يحترقُ غيرةً، ويخشى أن يسألَه الله عن منكرٍ سمعه أو رآه؛ فهو ينكر على هذا ويأمرُ ذا ابتغاء ما عند الله.

جمعتهم على اختلافِ طرق احتسابهم، وعلى خفاءِ أعمالهم، مخافة أن يأتيهم العذابُ إن سكتوا عن منكرٍ يرونه، يخشون أن يكونوا مثل ما ذكرهم القرآن؛ {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78-79].

ويرتعدون خوفًا أن يخالفوا أمرَ حبيبهم -عليه الصَّلاة والسلام- القائل: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم» [حسنه الألباني].

فهم على حالٍ من الخوف، وحالٍ من الرَّجاء، يخافون أن يلحقَهم عذابٌ إن هم لم يأمروا بالمعروفِ وينهوا عن المنكر، ويرجون الأجرَ العظيم إن هم قاموا بما أمرَهم ربُّهم، حتى وإن لم يُستجاب لهم؛ دليلهم قول ربهم: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164]، فهم على خيرٍ عظيم حتى وإن ظنَّ غيرُهم أنَّ فعلَهم لا يجدي من كثرةِ ما يُشاهدون من منكرات، فتجارتُهم ربانية، لا يلتفتون فيها لأجرٍ دنيوي، ولا يترقَّبون أن يشهدَ لهم زيدٌ وعمرو، بل كل رجاءهم أن يرضى عنهم ربُّهم ويتقبل منهم.

إنَّ هؤلاء شرفُ كلِّ أمة، بهم يرفع الله البلاء، وبهم يُستعان على الحقِّ، لا يخشى أحدُهم في الله لومةَ لائم، ولا يتوقَّفُ عن احتسابِه ومنهجه، إن سمع مَن يقول: "هلكَ النَّاسُ"، قال: بل {...إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 59]، لا وقوف ولا تواني عن أمرِ الله وأمر رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لا تزلف ولا بغية لأمرٍ دنيوي، تراه مخلصًا في احتسابه؛ لا رياء ولا سمعة، مجتنبًا لمنافسةِ الخلق، ومفاخرة أبناء الجنس، متجردًا من حظوظِ النَّفس الأمَّارةِ بالسوء، راجيًا أن يزولَ المنكر على يدي غيرِه من قوةِ إخلاصه، إنه المحتسبُ الذي يعلم ويعمل، منشغلاً مع كثرةِ احتسابه بطلبِ العلم ورفع الجهل عن نفسِه، فهو يعلمُ أنه لا يمكن الإنكار دون معرفةٍ بأنَّ هذا الأمر مخالف لشرعِ الله، فبعلمه يتضحُ له المعروفُ عن المنكرِ، وبعلمه يعرف كيف يحتسب، والأهمُّ أنه يعملُ بما يعلَم.

ومن خلالِ علمه وعمله يقيمُ ركنًا أساسيًّا من أركانِ الحسبة في شخصيتِه، إنه المحتسب، حكيمٌ في قراراتِه، متقنٌ لكلِّ ما يقومُ به، فهو فاهمٌ عاقل، يُراعي حالَ المأمور والمنهي، والوقت الأنسب لمخاطبتهما.

إنه المحتسب، صاحبُ أَناةٍ وتثبُّت، يحذر من زللِ المستعجل، ويرغبُ في عمل العاقل الفطن، تراه حليمًا وقورًا لا ينتقم لنفسِه، أو يتشفى ممن آذاه، يعلمُ علمَ اليقين أنه يخالفُ المألوفَ ويخالف أصحابَ الشَّهوات، فهو متوقعٌ لأن يصيبه أذًى، ويرجو الأجرَ من ربِّ السماء، كما أنه متثبت غير متعجل فيما يقول، لا يأمر ولا ينهى إلا ويقينه يسبقُ أمرَه ونهيه، لا يعرفُ في احتسابِه الاحتمالات ومرادفاتها، فهو بحقٍّ ثقةٌ ثبت.

إنه المحتسب، رفيق في حسبته، لا يعرف للعنفِ مسلكًا، يأمر وينهى برفقٍ، إن قُبل منه فخير على خير، وإن لم يقبل منه أقبل على نفسِه.

إنه المحتسب، الصَّابرُ الذي يرجو ما عند ربِّه، يعلم أنَّ طريقَه مليء بالأشواكِ والأسلاك، ويعلم أنَّ سهامَ الأذى ستصيبُه ما دام أنه محتسبٌ لربِّه، فالصبر في احتسابِه كالهواء في أنفاسِه.

إنه المحتسب، معاشرَ القرَّاء، من يمشي وحاله:

وَلَسْتُ أُبُالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا

عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ فِي اللهِ مَصْرَعِي

وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ

يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

فلا ألم في احتسابٍ ما دامت التجارةُ مع الله؛ {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104].

فما عند ربِّهم أنساهم عذابَ آلامهم، فاللَّهمَّ اجعلنا منهم، ولا تحرمنا فضلَهم، بارك الله في تجارِ الآخرة، بارك الله في المحتسبين، وبالفعلِ ليس لها في دنيا ولا دين إلا المحتسبون! فهنيئًا لهم.


بندر بن عبدالله الثبيتي


موقع الألوكة


توقيع : المشتاقة للجنة


اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات

اللهم صل وسلم وبارك على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-04-2012, 08:33 AM
ابو تسنيم ابو تسنيم غير متواجد حالياً
مراقب عام
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 1,726
افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
والله ثم والله لو اقتنعا بحق ان ما عند الله خيراً نسينا به في نحن فيه لكان الخير كل الخير وهذه الكلمات اقشعر له والله الجسد كله
بارك الله فيكم واحسن الله اليكم


توقيع : ابو تسنيم

{ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ }

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 01-05-2012, 02:46 PM
الصورة الرمزية المشتاقة للجنة
المشتاقة للجنة المشتاقة للجنة غير متواجد حالياً

مراقبة عامة

 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 4,422
افتراضي

اقتباس
مشاهدة المشاركة المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابو تسنيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
والله ثم والله لو اقتنعا بحق ان ما عند الله خيراً نسينا به في نحن فيه لكان الخير كل الخير وهذه الكلمات اقشعر له والله الجسد كله
بارك الله فيكم واحسن الله اليكم

مع حق اخي
شكرا لكم ويسر الله اموركم


توقيع : المشتاقة للجنة


اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات

اللهم صل وسلم وبارك على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 01-12-2012, 07:44 PM
الصورة الرمزية المشتاقة للجنة
المشتاقة للجنة المشتاقة للجنة غير متواجد حالياً

مراقبة عامة

 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 4,422
افتراضي

بارك الرحمن لك


توقيع : المشتاقة للجنة


اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات

اللهم صل وسلم وبارك على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 01-14-2012, 02:54 AM
الصورة الرمزية أم عبد المنعم
أم عبد المنعم أم عبد المنعم غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
المشاركات: 1,256
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا
ونفع بكم
هدانا الله وإياكم إلى صراطه المستقيم


توقيع : أم عبد المنعم


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 01-14-2012, 01:51 PM
الصورة الرمزية المشتاقة للجنة
المشتاقة للجنة المشتاقة للجنة غير متواجد حالياً

مراقبة عامة

 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 4,422
افتراضي

اللهم امين
جزاك الرحمن خيرا على تواجدك اخيتي


توقيع : المشتاقة للجنة


اللهم اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات

اللهم صل وسلم وبارك على حبيبنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين

رد مع اقتباس
إضافة رد


« الموضوع السابق | الموضوع التالي »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

استضافة الحياة

الساعة الآن 06:50 PM.


Powered by vBulletin® v3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. , TranZ By Almuhajir
النسخة الفضية
Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

SlamDesignzslamDesignzEdited by Riad Al-Ganah Team - جميع الحقوق محفوظة لشبكة رياض الجنة

Privacy Policy Valid XHTML 1.0 Transitional By SlamDesignz Valid CSS Transitional By SlamDesignz